بقلم:عزة كامل
بالأمس وصلتنى رسالة من صديقتى الصحفية فى غزة بعد محاولات عديدة منى للاطمئنان عليها، كتبت فى الرسالة: نحن فى غزة نتقلب بين لعبة الموت ولعبة الحياة، نهرب من الموت لنحيا، ولا أملك إلا بضع كلمات تختزن بين حروفها كل آلامنا وأحزاننا التى تخبر قصصا عن أحداثنا اليومية، أتعلمين صديقتى أن الأيام كلها متشابهة فى غزة، لا يهم إذا كان اليوم «سبت» أو «أحد» أو يوم عطلة، فالأحداث تتداخل، أيامنا، أوقاتنا، أعمارنا تتداخل مثل خيوط العنكبوت، فالبارحة مثل اليوم، اللهم إلا إذا شطب اسم أحدنا من دفتر الأحياء، لقد غيرتنى هذه الحرب، بعثرتنى، دمرتنى، كان من المفترض أن أكون فى الميدان لأنقل الأخبار
ولكن كيف يتسنى لى ذلك، إذ يبدأ يومى مع مطلع الشمس، أقوم بجلب الماء وتدبير وجبات الطعام التى تقتصر على وجبة واحدة فى اليوم، قد تكون علبة طعام محفوظة لكل العائلة، أقوم بالخبز إذا توفر الطحين، لا كهرباء فى المدينة تدير آلات الغسيل، فأقوم بتنظيف الملابس بالقليل من الماء الشحيح الذى نحصل عليه بصعوبة، مطلوب منى أن أفعل ذلك يوميًا مع أربعة أطفال، أكبرهم لم يبلغ الخمسة أعوام، وأصغرعشرة شهور، صالح، فدوى، رشيد، وليلى، يتساءل صالح كل يوم عن موعد العودة إلى منزلنا الذى اضطررنا لتركه نتيجة لشدة القصف، وتدمير ما حوله، تسألنى فدوى عن دميتها المصنوعة من القطن والقماش، وعن بنت عمها التى لا تعرف أنها استشهدت، الصغار يفزعهم صوت الصواريخ والقذائف التى إن لم تصبهم هذه المرة، لقد اضطررنا للهرب من الغارات، وتعثرنا بجثث الأطفال، وأشلاء الكبار المتناثرة فى كل مكان، أمس، هاتفتنى ابنة عمى وقالت لى: إنها تخاف على أولادها وانقطع الخط، وفى الصباح قرأت استشهادها فى نشرات الأخبار مع أطفالها، يا صديقتى لا نشعر بإيقاع شىء إلا إيقاع القصف الذى يطال الجميع، وصوت «الزنانة»، هذه الطائرة المسيرة التى تتجسس ليلا ونهارا، إنها آلة تعذيب مبتكرة، الأطفال فى حالة ذعر وفزع، والكبار فى حالة استنفار تام، أيام ننتظر لمنتصف الليل حتى تصل الشاحنات التى تنقل أكياس «الطحين»، آلاف يتجمعون حولها، ومنهم من يعتليها، ومنهم من ينتظر دوره والخوف يملأه أن يرجع خالى الوفاض، والجنود الصهاينة يزمجرون ويطلقون الرصاص بشكل عشوائى، مشهد مذل ومهين، أصبحنا جوعى يبحثون عن لقمة فى كوم زبالة، ورغم ذلك ستظل غزة شوكة فى قلب الذين خذلوها، نحن شعب لا يموت، سيظل شامخًا