توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كابوس غزة

  مصر اليوم -

كابوس غزة

بقلم:عزة كامل

رأيت، فيما يرى النائم، أننى أسير مع أبى وسط شوارع غزة المطوقة بالبحر والنخيل، ونسائم الريح الرطبة تلفح وجهينا، لم أر حواجز أو مستوطنات أو كاميرات مراقبة، لم أر مخيمات فى الأزقة، تهب علينا رائحة اليود البحرى ونحن نقطع الشوارع الضيقة الطويلة، ريح تهب فجأة، والغبار يغطى كل شىء، والأرض تنفلق وتنوح، وجدتنى أحلق فى الفضاء ورأيت جيوشا عربية تندفع بعتادها تجاه جنود الاحتلال فى معركة شرسة وحشية تبث الرعب فى صفوفهم، وتقضى عليهم، ورأيتهم يغرزون علم فلسطين ليرفرف عاليا، وصوت محمود درويش يرتفع مجلجلا وهو ينشد أناشيد الثورة، وأهل غزة يهتفون: «لقد تحررت غزة اليوم، وغدا سنحرر كل شبر فى بلادنا فلسطين العظيمة...»، وعلمت بطريقة ما أننا فى طريقنا لبيت أحد أصدقاء أبى، وفجأة زلزلت الأرض تحت أقدامنا، وهبط من السماء رجل عجوز يشتعل غضبا، وأمسك بكتف أبى، وأخذ يهزه بشدة ويصرخ بصوت عال: «لقد تأخرت كثيرا، تأخرت كثيرا، تأخرت كثييييييرا..»، واختفى الرجل، واختفى أبى أيضا، وتحول المكان حولى إلى خرائب، وبيوت مهدمة، وجثث متناثرة فى كل مكان، تصرخ من أثر الذبح، ومن بعيد رأيت جوارح تنقض على جثث وتنهشها، وفى آخر الشارع تنتصب مأدبة كبيرة يجلس عليها صهاينة منتشيون متلذذون بالطعام والشراب، وأياديهم ملوثة بدماء.

أحاول أن أركض، فتحاصرنى دبابات، وتضربنى صاعقة، وأجد نفسى قد كبرت أربعين عاما، محاصرة بالحواجز والمستوطنات وكاميرات المراقبة وشظايا القذائف، أستيقظ من النوم على صوت إعلانات التليفزيون، أدير المحطات على نشرات الأخبار، ومن خلالها بانت الحقيقة، لقد رموا غزة فى البحر، قطعوا أشجارها، وبقروا بطون نسائها، ونسفوا بيوتها وذبحوا أطفالها، غزة تعانى من حرب الجوع والعطش، غزة تقاتل بمفردها، بينما ممثلو إعلانات الكمباوندات الفارهة يتباهون بأزيائهم ومجوهراتهم، ويحثون الناس على الإسراع بالشراء ليذوقوا طعم النعيم.

حاولت النهوض، أصاب جسدى شلل لعدة ساعات وسط صوت آت من مذياع بعيد، هو الذى يريكم البرق خوفا وطمعا، وينشئ السحب الثقيلة، «ويسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته»، بكيت.. بكيت كما لم أبك من قبل، يكبر الحزن داخلى ويعشعش كصخرة ضخمة، لماذا يحمل الفلسطينيون عبء التاريخ وحدهم، ونحن نرقص على أسطورة هابيل وقابيل، ونعيد قراءة قصة سيدنا يوسف وأخواته؟، لا لنتعظ، بل لنسير فى لهونا، ونزيح الزمن الثقيل، ونغلق المشهد الفج والمرعب الذى لن يغلق أبدا، وسيظل كابوسا وحشيا يلاحقنا ولا نستطيع الفكاك منه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كابوس غزة كابوس غزة



GMT 19:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الموازنة والـمئة دولار !

GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon