توقيت القاهرة المحلي 20:18:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ريم بنّا.. وصوت الوطن الذى يبقى

  مصر اليوم -

ريم بنّا وصوت الوطن الذى يبقى

بقلم : عزة كامل

 -1- رحل الجسد، حلق بعيدا إلى مقام الحلم والرؤيا، هزم الموت جسدها، ولكنه لم يهزم روحها، فقد مرت كالشهاب فى عالمنا، كالنور الذى ينهض من قاع الأساطير، رمت على الأحجار معاطفها وهزّت الجبال مواويلها، وانطلق صوتها يرمّم الوجع والألم، نصعد معه إلى مقام الكشف والتجلى ليكتمل قرب النهاية، وتكمل رحلتها، رحلة «ريم بنا» الفلسطينية الاسم والهوية والروح، فى سلم معراجها السرى عبر ألحانها وأغنياتها للوطن وللجرح الإنسانى عموما، رحلت عنا بعدما امتلأ العالم حولها بكل أسباب الرحيل، تركت رائحتها المختلطة برائحة القهوة واللوز، وغرست زيتونتها.

-2-أوقفها القدر عنوة عند مفترق طريق متعثر وصعب، ومضت مع الريح وهى تحمل قلبا لا تخفت صلاته، مرتبكة فى ضبط إيقاعاته، حائرة بين العشق والهوى، وهى تحاول النهوض من حلم عابر وتجرى كغزالة نحو الشمس، وترشف ضوءها، من قمر فى الماء يسبح فينعش المساء، لم يمنعها مرض السرطان اللعين فى أيامها الأخيرة أن تقاوم الموت وتتحداه فتغرد «حين وقفت على قدمى هذا الصباح، وكابرت على وجع شديد أصابهما ومشيت، كأننى ولدت من جديد، أدركت أنى سأتبع درب الورد، لا درب الآلام، وعرفت أنى ماضية مع الريح، كلما علوت وجعى وابتعدت، كلما صغر وضاق»، وعندما أصاب الشلل أحبالها الصوتية التى كانت سلاحها فى مقاومة الاحتلال بعد مرضها، ظلت تغرد، رغم أنها تعلم أن خلف الجدران تولد الأحلام الملونة وتمضى، ولكنها ظلت تكابر وتحاول الغناء، ورغم أنفاسها القصيرة المتقطعة التى تعاندها، حاولت جاهدة، ونجحت بإرادتها وبشغفها للحياة أن تسجل «ألبوم»، ربما يرى النور فى الشهر القادم.

-3-كتبت ريم لأولادها قبل رحيلها بأسبوعين «لا تخافوا، هذا الجسد كقميص رث، لا يدوم، حين أخلعه، سأهرب خلسة من الورد المسجّى فى الصندوق، وأترك الجنازة و(خراريف العزاء) عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام.. مراقبة الآخرات الداخلات، والروائح المحتقنة، وسأجرى كغزالة إلى بيتى، سأطهو وجبة عشاء طيبة، سأرتب البيت وأشعل الشموع، وأنتظر عودتكم فى الشرفة كالعادة، أجلس مع فنجان الميرمية، أرقب مرج ابن عامر، وأقول.. هذه هى الحياة جميلة، والموت كالتاريخ فصل مزيف».

كان حلمها أن يكون صوتها هو صوت الحرية الفلسطينية، وقد تحقق عندما أطلقت ألبوم «مرايا الروح» وأهدته إلى الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، وحملت صوت وتاريخ فلسطين عبر أغانيها التراثية، بقلب طاف فى الهوى وإلى الحرية، كما تقول فى ثلاثة حروف «هى اسمى وحلمى لا يساوم وغزالتى فى الريح سارحة».

-4-أخذت تؤسس فوضى عواطفها على حافة الهوية وبين عشقها لشجر الزيتون والميرمية واللوز المعجون بعشق تراب الوطن، تصرخ مثل الغزالة، تريد أن تعيد الحياة للغيوم المهاجرة، والمخيلة النازفة، تحمل تاريخ وطنها فى صوتها، تتأمل الهواء وورد الشبابيك ودرب الأحلام الذى لم تعد تطؤه قدماها، والأصدقاء والجسد والوجع والروح، والمشافى التى لم تسع جسدها الصغير، والوطن الذى عشقته.

يا ريم رحلت ولكن مرايا الروح مازالت تحاصرك فى رحلتك إلى أفق الأقحوان وأنت تترقرقين توهجا فوق عوسج الجدران، ورمقك الأخير يشتعل فى صمت الحنايا ويمتد إلى الوطن ترنيمة للسفر ومطر ينعش أغنيات القمر.

نقلاً عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ريم بنّا وصوت الوطن الذى يبقى ريم بنّا وصوت الوطن الذى يبقى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon