توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فؤاد لم يَمُتْ بعد

  مصر اليوم -

فؤاد لم يَمُتْ بعد

بقلم - عزة كامل

عيناى تغيمان، وتختلط الأشياء وتنقلب أمامى لصور كثيرة تتقافز أمامى، وتشوش ذاكرتى، أنظر إلى «اليافطة» المثبتة على واجهة محل البقالة، وأقرأ: «بقالة العائلة ياسين وأولاده»، المحل في مواجهة مقهى السعادة، ويشغل ناصيتين، يأتى صبى المقهى ثلاث مرات إلى محل ياسين ليقدم له كوب الشاى بالنعناع، ابنه البكر «فؤاد»، الذي لم يبلغ السادسة عشرة، قرر ترك الدراسة ليسافر إلى إيطاليا هجرة غير شرعية عن طريق البحر، بعد استيلائه على تحويشة العائلة ليسددها للسماسرة.

بعد ستة أشهر، جاءه خبر موت «فؤاد» غرقًا في عرض البحر هو وكل مَن معه، هرع كل سكان الشارع إلى عم ياسين، الذي وقف يتلقى العزاء، ويردد في نشيج مسموع: «فؤاد مامتش، فؤاد عايش، أنا مستلمتش جثته يبقى مامتش»، وعيناه تذرفان الدموع كأنها دم.

رجال ونساء الشارع يثرثرون عن الكذبة التي يعيش فيها عم «ياسين»، تقاسموا معه الحزن لعدة أيام، ثم شدوا رحالهم إلى تفاصيل حياتهم اليومية، لم يترك ياسين بابًا إلا طرقه، استهلك عدة سنوات في البحث اللامُجدى عن ولده، كان يحدق أمامه دائمًا كأنه ينتظر أحدًا ما، كانت دموعه الغزيرة كفيلة بجعل دموع الرجال تتدفق بغزارة، ودون حساب، سنوات طويلة مرت بظلمتها الحارقة، وبقى الحال كما هو لا يتغير بالنسبة لعم ياسمين، غير أن دموعه كانت قد جفت، وحلمه في رجوع ابنه بهت، وظل يلازمه الهَمّ، وثقلت خطواته كأن قدميه تجرجران أحزانه.

وحده أخى، الذي كانت تربطه بـ«فؤاد» صداقة قوية، وأتذكر عندما جاءه خبر الغرق ظلت عيناه تحدقان بالناس في ذهول، ثم أخذ يركض بغير هدى من شارع إلى شارع، حتى كلّت ساقاه، وأخذنا نبحث عنه في كل مكان، حتى عثر عليه أبى، بعد أن انتصف الليل، جالسًا بجوار سور الجامع، وهو يبكى بلا انقطاع بشكل مرير.

مرت الأيام، والأحزان تُغرق البيوت والمقهى، وتلقى بأنينها وصرخاتها على الكبار والصغار، ذات يوم، لمحنا سيارة تاكسى تقف أمام محل العائلات، وينزل منها شاب، وبصحبته فتاة شقراء، أصاب الجميع الذهول، إنه «فؤاد»، الذي عاد من الموت بعد عشر سنوات، وعندما رآه أبوه سقط مغشيًّا عليه فورًا، تكاثر المهنئون، وانطلقت الزغاريد في الشارع، و«فؤاد» في حالة نشوة، يتقبل التهانى مسرورًا، وتدفق شباب الحى كالسيل عليه وهم يحدقون في الفتاة الشقراء التي معه، والفضول يأكلهم، يريدون أن يعرفوا حكاية «فؤاد»، الذي نجا وحده من غرق المركب المنكوب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فؤاد لم يَمُتْ بعد فؤاد لم يَمُتْ بعد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon