بقلم - ماجد الشيخ
أنشأت إسرائيل كيانها فوق الأرض الفلسطينية، متسلحة بأساطير دينية خاصة، «اصطفائية»، وقامت لهذه الغاية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبحروب إبادة وتطهير عرقي، ما فتئت تتواصل بأشكال متفاوتة من الشدة والقمع، والحرب المتواصلة ضد الأرض الفلسطينية وأصحابها، طوال عقود وأجيال، من دون أن يمتلك المجتمع السياسي الدولي، الشجاعة أو القدرة على ردع الممارسات الصهيونية، إن لم نقل أنه نتيجة تواطؤه وشراكاته الأمنية والقيمية المختلة، وانحيازاته الفاضحة لم يرد أن يزجر تلك الممارسات وينقدها بهدف إيقافها عند حدها.
وها هي إسرائيل وعبر قانونها المسمى «قانون القومية»، تريد نفي كل صلة لها بأي شكل من أشكال الديموقراطية أو الدولة المدنية، وذلك لتأكيد «يهوديتها»، وبأنها دولة «كل يهود العالم»!وليس يهود الاستيطان في فلسطين فحسب، وفي ذلك تماه واضح مع تنظيرات «الدولة الداعشية» وأدلوجاتها الخاصة، ومحاكاة واضحة لأساليب ومسلكيات الفاشية المستجدة عبر العالم، وهي تترافق مع صعود التيارات الشعبوية القوموية الأكثر عنصرية، في أوروبا والولايات المتحدة.
ولئن وجدنا في التشريعات القانونية ذات الطابع «الدستوري» في إسرائيل، عنصرية فاقعة، ومسلكيات «داعشية» تميز وتصطفي بعنصرية أكثر من فاقعة، فإن تشريع «دواعش» عصرنا، لا يقل «امتيازاً داعشياً» عن مسلكيات النازية والفاشية والصهيونية وعنصرياتهم الوحشية؛ وما هذا سوى استمرار لإرث الجرائم الوحشية ضد الإنسانية منذ حروب الإبادة والحروب الدينية القديمة، مروراً بالحروب الإمبريالية، وصولاً إلى ما يختلط الآن في أذهان الناس، من جرائم تمارس على جبهات عدة باسم الدين وباسم التجارة به، وبغيره من غايات وأهداف الاستحواذ على السلطة؛ السياسية أو الدينية، وعلى ثروات العالم والهيمنة عليها، لمصلحة أفراد وعصابات ومافيات السلطات الحاكمة؛ في وقت تحولت السلطة إلى غاية نهائية ومآل أخير لما ترتجيه نخب سياسية واقتصادية وثقافية ودينية، وما يحيط بها من سلطويي استبداد عميق، كما من عناصر عضوية تغلغلت فيها ميكروبات الرثاثة الناشئة في رعاية الاستبداد السلطوي.
ولم يكن من المصادفات أن تقوم النشأة الكولونيالية لإسرائيل، على قواعد معيارية من اصطفاءات دينية عنصرية، تعادي الآخر؛ كل آخر حتى ولو كان من الطينة «اليهودية» ذاتها، وهكذا بالتوازي، قامت «الداعشية» على القاعدة العنصرية ذاتها التي ذهبت في عدائها للآخر، كل آخر، حتى للذين من الطينة «الإسلامية» ذاتها أو «الإسلاموية»؛ مؤسسة معايير من العداء والعدوانية، تتناسب مع أيديولوجيات الكره والبغض والاستبعاد والإقصاء؛ حد التفنن في مبتكرات القتل والإجرام، الهادفة إلى إبادة من يعتبرهم «دواعش» عصرنا العدو الذي ينبغي مقاتلته من دون غيره من الأعداء. المهم أن تؤدي هذه الإبادة إلى الاحتفاظ بسلطة محلية «مقدسة» لا علاقة لها بأي صراع قومي أو إقليمي أو دولي، بقدر ما تسعى إلى توطيد أركان «دولتها الدينية»، حتى ولو أدى الأمر ليكون عناصر التنظيم (داعش) أو بعض نخبه عبيداً في خدمة أسياد السلطات القائمة ومخابراتها وأجهزتها الأمنية. وليس أدل على هذا الوضع من خدمة العديد من مجاميع «الدواعش» ونخبها، ليس لذاتهم المفتتة، بل ولعدد من الأطراف المشغّلة لهم، على رغم تناقضاتها وتعارضاتها المختلفة على امتداد المنطقة والعالم. في ما هم يزهقون أرواح السذج والبسطاء من الناس في عمليات القتل ذ.
كلتاهما، دولة الكولونيالية الإسرائيلية، ودولة الخلافة «الداعشية»، شريكة في خاصية «الاصطفاء» والتمييز العنصري (والديني) والقتل وارتكاب المجازر وممارسة سلوك إبادي، استهدف ويستهدف إقامة دول عنصرية ذات حرفية عالية في ارتكاب فنون مبتكرة من صنوف المجازر، كي تسود «الدولة الإثنوقراطية المجرمة»، بمستبديها الطغاة. في مطلق الأحوال، لا ينبغي السماح أو التهاون بأن تسود دولة كهذه، على رغم ما يشهده عالمنا اليوم من اختلال في موازين ومعايير القيم والأخلاقيات الإنسانية، وهذا ما شجع إسرائيل كي تقر وبأغلبية أعضاء الكنيست تشريع قانون دستوري، يعيد صوغ هويتها الكولونيالية إلى جانب تمييزها العنصري، ليس ضد قسم من المجتمع الفلسطيني (الدروز والشركس والأرمن وعديد الأقلويات الأخرى)، بل ضد كل الفلسطينيين، وهو التوجه والمنبت الأيديولوجي الديني ذاته الذي شجع «دواعش» عصرنا على انتهاك كل قيم العدالة والمساواة والحرية، والإنسانية المُضاعة اليوم، على مذبح سلطات تجار المال والأعمال، وكل الذين باتوا يؤمنون بالسياسات الزبائنية وبمواقف سياسييها من الطغاة والمستبدين.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع