بقلم - ماجدة الجندي
أما وقد اكتمل حضورك بالاستشهاد وتعزز تجليك بالغياب. اما وقد منحتنا بعد الله سبحانه وتعالي، فرصة الاستمرار فى الحياة. فإنا، وقد مضى عام على استشهادك نقرئك الحب والامتنان ونعلمك يا أنبل من فينا، أنك قد صرت معني، وأن اسمك «منسى» لم يعد منسيا، وأنه صار الرمز الذى يستدعى مئات، بل آلاف الأسماء التى تتعطر مصر بأرواحها.. نطمئنك يا تاج الرؤوس، ان مصر التى جبتها، من حلايب وشلاتين الى رفح، بخير رغم كل ما يحيط بها وما يحاك ضدها.. لنا بيوت، وأسقف تسترنا، وحدود نحافظ عليها. نسعى فى الارض، ولو كانت الخطى وئيدة، لكن نملك مخزونا وقدرة على الاستمرار، تدعمها تراكمات آلاف السنين( يا ما دجت على الراس طبول).. صحيح مصر مثقلة، تقاوم، برة وجوة، وصحيح أيضا انها تحفر بأظفارها دروبا وعرة، لكن ناسها يدركون أن استشهادك يعنى الإصرار على وطن عادل، خال من الفساد، وأنهم كلما كاد التعب يسلبهم الهمة، استحضروك وسلسالك من الباذلين الصادقين.. تعرف أن نفرا من بينهم، قد ضرب الفساد فى عظامهم، وأن أفاعى مازالت لابدة فى الجحور، لكن إقامة الحياة لم تكن يوما فسحة من الخيال.. استشهادك حملنا مسئولية.. صار هو المعيار الذى علينا ان نقيس به ونزن من خلاله. بزتك العسكرية التى لاقيت الله سبحانه وتعالى بها، والبيادة وقميصك الغارق فى دمك الطاهر، كل ذلك لم يكن فقط كى تبقى سيناء مصرية طاهرة، بل كان لأجل ان يتطهر الوطن كله. يتطهر من ثعابين دخلاء، جىء بهم من خارج رحمنا، وهؤلاء ينصرنا الله عليهم بفضله وفضل الأطهار أمثالك وأيضا يتطهر من سوس ينخر وحرباوات الداخل التى تتلون.. يتطهر بعدل وفرص حقيقية للحياة.. استشهادك هو البوصلة، او ما ينبغى ان يكون..بذلت الروح فلا اقل من بذل نزيه للجهد..
ليس سهلا ان يتطهر وطن، جثم الفساد فوقه لعقود وتغلغل فى مسامه، هى حرب حقيقية، لابد لمن يخوضونها، من قبس من روحك وثبات أقدامك وإيمانك وإصرارك.. الناس تتغنى الآن باسمك، كيف ينتقلون من التغنى الى ممارسة المعني، معنى ما قمت به.. ان تتحول الأغنية الى مستشفى نظيف ومدرسة. فرصة عمل وسكن كريم. هذا هو مشروعنا وهذا ما علينا عمله. وهذا مابذلت أنت من أجله.. بقدر ما نجتث من جذور فاسدة، بقدر ما نكون أوفياء لمعناك يا منسي. بقدر ما نعدل ونفتح الطريق لمن يستحقون، بقدر ما نكف عن الكذب على أنفسنا، نستحقك.. كلما تخلصنا من غدد النفاق صرنا أهلا لتضحيتك. كلما لحق بك بدر ممن يفتدوننا، يساورنى خاطر وتسيطر على عبارة واحدة، تتردد داخلى رغما عنى :علنا نستحق تضحياتكم . أكتبها تحت صورة كل شهيد أصادفها..الاستحقاق لما منحتنا انت وسلسالك النبيل، صار همى وهم الكثيرين...عندما أقرأ عن فساد بعد كل ما دفعتموه، أحس وكأنها خيانة.. كيف نخون أنفسنا؟ ـ حين يهدرون أثرا، هو بعض من إرثك وإرثنا، أحسبنا غافلين عما قدمتم.. عندما تهيمن عقلية المقاول وتزيح فكرة البناء،..لما أحس ضن الذين ربوا كروشا، بنحت ثروات الوطن بغير حق، وإحجامهم وتهربهم من الحد الادني، أرانا غير جديرين بمعناكم. لما أستشعر عدلا بطيئا، تخبطا فى الرؤى، هيمنة الجهل، عدم الوعى بمعنى مصر، سطحية ادراك قيمة ما نملك، تنحية الثقافة، أصبحنا غير اوفياء لما رمزتم وترمزون اليه.
كثيرا ما أخاف منا عليك يا منسي, فيزداد التشبث بك. كأنك تحمينا فى تمام حضورك، وتجليك شهيدا، وصرت معنى ورمزا، كما حميتنا بطلا على الحدود. لا يمكن أن اكتب اليك دون أن أخبرك عن طيب اخبار علياء وحمزة..حمزة الذى قرر أن يتسلم الراية من بدري، قد صار بطلا للجمهورية فى الجمباز، ويرتدى بزته العسكرية، حمزة الذى لا يكف عن الحلم وعن تتبع خطى، ادرك فى بساطة أن ما كنته انت وقدمته، كان المقابل كى يكون له ولكل حمزة وعلياء فى مصر حياة وحلم. الملايين من آبائك وامهاتك واخوتك على الارض التى أحببتها وبذلت روحك فى سبيلها، يقرئونك سلاما وحبا بغير حدود، وفى امس الحاجة اليك رمزا ومعنى بغير حدود.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع