توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على الدرب..

  مصر اليوم -

على الدرب

بقلم - ماجدة الجندي

للحنين مأوى.. لما يأخذك دون هوادة وتروح تفتش، باحثاً عما يرطب.. ولو بضع قطرات من ندى.. هكذا أخذنى المسار إلى «ربع السلحدار»، على مقربة من المسجد الحسينى.. يغنيك «أحباؤك» ضمن فيضهم السخى، بطرق ودروب، فإن شبه لك أن حلقاتها «استحكمت»، تطلع إلى المنافذ وإن توارت، فهى ما زالت قادرة على ضخ رفات البِشر، بكسر الباء.. لم ألتفت إلى أكثر من أربعة عقود تفصلنى عن المرة الأولى التى كان فيها مسعاى إلى منطقة الجمالية.. لم ألتفت إلى بطء خطوى وتلاحق أنفاسى.. حتى هبات القيظ لم تقوض شلالات الحنين الغامر، الذى أججته تلافيف روائح المكان.. تستوطن الروح أمكنة وأزمنة.. ولا تستثنى الروائح والمذاقات.. غيرت السنون بعض الظاهر.. ربض كمين شرطى عند مدخل ساحة الحسين، وحال نصف سور حديدى دون المرور بغير تفتيش، هو مجرد نظرة مارقة إلى محتويات حقيبتى.. حقيبتى التى لم تعد تحوى الكثير.. لا كتباً ولا أوراقاً ولا أقلاماً ولا جهاز التسجيل ذا الشرائط.. «عدة الشغل» التى أثقلت حقيبة فوق الكتف لعقود، ما عادت اليد ولا الكتف يقوى.

قبل ما يقرب من أربعة عقود ونصف، حين «انتظرنى» هناك، فى منتصف الساحة ليأخذ بيدى فيما جهلته، وغاب عنى، ولجأت «إليه» فيه، ساعية، علَّ النور يدلنى.. وهذا ما كان.. لم يكن فندق المشهد الحسينى وقتها قد غطى سطحه بالأسقف الخشبية، ولا كانت «فرشات» البائعين، قد تجاورت فيها قطع نحاس فاقدة الروح، بميكنة فى الأقاصى، وثياب ترتر وطرابيش وسبح.. أيامها كان الوصل ما زال قائماً، ما بين الأنامل والأرواح.. بين الأصابع التى تدق النحاس أو التى تخرط الخشب وترصع الأصداف وبين مكنون الصدور.. تعلق قلبى «باللحظة».. لحظة كانت أشبه بغيمة أو بخيمة، نسجها المكان وروائحه، ضوؤه المقطر، وسكينته المتسربة، دون إعلان.. سرنا متجاورين وأصابع يده لا تكف عن الإشارة.. إلى مئذنة هنا وبيت هناك.. لناصية وباب موارب، وبين طرفة عين وأخرى أسترق نظرة «إليك».. شاخصاً إلى ما لا أعيه.. نفس النظرة التى ظلت «مكمناً» لواحات صمت «يبوح».. قرأت فى سرى فاتحة الكتاب: للونسة والألفة والود وحفظ العهود والصفح الجميل.. للإنسانية والتوق دوماً لعالم مزدان بعدل وحرية ورحمة.. لطهارة اللقمة والنوايا والكد.. لمواطن الجمال، لما تصير «قبلة الروح».. «للكتف»، الذى له استندت وأستند، ولمن أزاح ظلمة الروح، وعمر القلب.. مسحت وجهى الغارق فيما بين حبات عرق وعبرات مكتومة، و«ظمأ»، لم تروه زجاجة ماء أحملها.. توقف خطوى هفوت إلى «طعم».. مذاق.. لراحة «بل الريق».. رضا «الارتواء».. كيف يتوحش الظمأ، إلى مدى لا يرويه ماء ولو كان زلالاً.. توازى سيرى باتجاه الدرب، واصطفاف يجاور الأزهر، سيارات شرطة ورجال يتلمسون مساحة ظل.. هجير «الشمس»، مهما قسا، يخف بظل جدار وسقف.. لكن «للروح» هجيرها، الذى لا يرطبه جدار ولا سقف.. ربما يخفف من وطأته، سعى باتجاه «ربع السلحدار».. الذى كان «فاتحة كتاب عيشنا».. أول خطوى على دربك، كان باتجاه «ربع السلحدار» فى خان الخليلى».. أهديتنى إياه حياً.. مُعاشاً (بضم الميم).. كنت «أنت» من فك شفرة أبجدية مصريتى.. عمدت انتمائى.. علمتنى «أن أعرف»، «فأدرك»، «فأحب».. أعرف وأدرك قيمة ما ومن أحب.

بتاريخ موجز لربع السلحدار، لاح دربى.. قبل أن نصعد درجاته المتآكلة لتعرفنى بالحاج «صالح» رحمه الله.. بعض من سلسال الأنامل الذهبية.. حدثتنى عن أنه حوى أنفاس الأفغانى والنديم وسعد زغلول وكيف من قبلهم، آوى إليه شهبندر التجارة.. سوق جهاكس الخليلى، الذى لم أسمع به إلا منك.. هل كان «جهاكس الخليلى» قبل أكثر من أربعمائة عام، يدرك أن «سوقه»، والدرب إليه، سوف يكون بعضاً من السلوى؟.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على الدرب على الدرب



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon