توقيت القاهرة المحلي 19:49:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على الدرب..

  مصر اليوم -

على الدرب

بقلم - ماجدة الجندي

للحنين مأوى.. لما يأخذك دون هوادة وتروح تفتش، باحثاً عما يرطب.. ولو بضع قطرات من ندى.. هكذا أخذنى المسار إلى «ربع السلحدار»، على مقربة من المسجد الحسينى.. يغنيك «أحباؤك» ضمن فيضهم السخى، بطرق ودروب، فإن شبه لك أن حلقاتها «استحكمت»، تطلع إلى المنافذ وإن توارت، فهى ما زالت قادرة على ضخ رفات البِشر، بكسر الباء.. لم ألتفت إلى أكثر من أربعة عقود تفصلنى عن المرة الأولى التى كان فيها مسعاى إلى منطقة الجمالية.. لم ألتفت إلى بطء خطوى وتلاحق أنفاسى.. حتى هبات القيظ لم تقوض شلالات الحنين الغامر، الذى أججته تلافيف روائح المكان.. تستوطن الروح أمكنة وأزمنة.. ولا تستثنى الروائح والمذاقات.. غيرت السنون بعض الظاهر.. ربض كمين شرطى عند مدخل ساحة الحسين، وحال نصف سور حديدى دون المرور بغير تفتيش، هو مجرد نظرة مارقة إلى محتويات حقيبتى.. حقيبتى التى لم تعد تحوى الكثير.. لا كتباً ولا أوراقاً ولا أقلاماً ولا جهاز التسجيل ذا الشرائط.. «عدة الشغل» التى أثقلت حقيبة فوق الكتف لعقود، ما عادت اليد ولا الكتف يقوى.

قبل ما يقرب من أربعة عقود ونصف، حين «انتظرنى» هناك، فى منتصف الساحة ليأخذ بيدى فيما جهلته، وغاب عنى، ولجأت «إليه» فيه، ساعية، علَّ النور يدلنى.. وهذا ما كان.. لم يكن فندق المشهد الحسينى وقتها قد غطى سطحه بالأسقف الخشبية، ولا كانت «فرشات» البائعين، قد تجاورت فيها قطع نحاس فاقدة الروح، بميكنة فى الأقاصى، وثياب ترتر وطرابيش وسبح.. أيامها كان الوصل ما زال قائماً، ما بين الأنامل والأرواح.. بين الأصابع التى تدق النحاس أو التى تخرط الخشب وترصع الأصداف وبين مكنون الصدور.. تعلق قلبى «باللحظة».. لحظة كانت أشبه بغيمة أو بخيمة، نسجها المكان وروائحه، ضوؤه المقطر، وسكينته المتسربة، دون إعلان.. سرنا متجاورين وأصابع يده لا تكف عن الإشارة.. إلى مئذنة هنا وبيت هناك.. لناصية وباب موارب، وبين طرفة عين وأخرى أسترق نظرة «إليك».. شاخصاً إلى ما لا أعيه.. نفس النظرة التى ظلت «مكمناً» لواحات صمت «يبوح».. قرأت فى سرى فاتحة الكتاب: للونسة والألفة والود وحفظ العهود والصفح الجميل.. للإنسانية والتوق دوماً لعالم مزدان بعدل وحرية ورحمة.. لطهارة اللقمة والنوايا والكد.. لمواطن الجمال، لما تصير «قبلة الروح».. «للكتف»، الذى له استندت وأستند، ولمن أزاح ظلمة الروح، وعمر القلب.. مسحت وجهى الغارق فيما بين حبات عرق وعبرات مكتومة، و«ظمأ»، لم تروه زجاجة ماء أحملها.. توقف خطوى هفوت إلى «طعم».. مذاق.. لراحة «بل الريق».. رضا «الارتواء».. كيف يتوحش الظمأ، إلى مدى لا يرويه ماء ولو كان زلالاً.. توازى سيرى باتجاه الدرب، واصطفاف يجاور الأزهر، سيارات شرطة ورجال يتلمسون مساحة ظل.. هجير «الشمس»، مهما قسا، يخف بظل جدار وسقف.. لكن «للروح» هجيرها، الذى لا يرطبه جدار ولا سقف.. ربما يخفف من وطأته، سعى باتجاه «ربع السلحدار».. الذى كان «فاتحة كتاب عيشنا».. أول خطوى على دربك، كان باتجاه «ربع السلحدار» فى خان الخليلى».. أهديتنى إياه حياً.. مُعاشاً (بضم الميم).. كنت «أنت» من فك شفرة أبجدية مصريتى.. عمدت انتمائى.. علمتنى «أن أعرف»، «فأدرك»، «فأحب».. أعرف وأدرك قيمة ما ومن أحب.

بتاريخ موجز لربع السلحدار، لاح دربى.. قبل أن نصعد درجاته المتآكلة لتعرفنى بالحاج «صالح» رحمه الله.. بعض من سلسال الأنامل الذهبية.. حدثتنى عن أنه حوى أنفاس الأفغانى والنديم وسعد زغلول وكيف من قبلهم، آوى إليه شهبندر التجارة.. سوق جهاكس الخليلى، الذى لم أسمع به إلا منك.. هل كان «جهاكس الخليلى» قبل أكثر من أربعمائة عام، يدرك أن «سوقه»، والدرب إليه، سوف يكون بعضاً من السلوى؟.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على الدرب على الدرب



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon