توقيت القاهرة المحلي 11:13:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على الدرب..

  مصر اليوم -

على الدرب

بقلم - ماجدة الجندي

للحنين مأوى.. لما يأخذك دون هوادة وتروح تفتش، باحثاً عما يرطب.. ولو بضع قطرات من ندى.. هكذا أخذنى المسار إلى «ربع السلحدار»، على مقربة من المسجد الحسينى.. يغنيك «أحباؤك» ضمن فيضهم السخى، بطرق ودروب، فإن شبه لك أن حلقاتها «استحكمت»، تطلع إلى المنافذ وإن توارت، فهى ما زالت قادرة على ضخ رفات البِشر، بكسر الباء.. لم ألتفت إلى أكثر من أربعة عقود تفصلنى عن المرة الأولى التى كان فيها مسعاى إلى منطقة الجمالية.. لم ألتفت إلى بطء خطوى وتلاحق أنفاسى.. حتى هبات القيظ لم تقوض شلالات الحنين الغامر، الذى أججته تلافيف روائح المكان.. تستوطن الروح أمكنة وأزمنة.. ولا تستثنى الروائح والمذاقات.. غيرت السنون بعض الظاهر.. ربض كمين شرطى عند مدخل ساحة الحسين، وحال نصف سور حديدى دون المرور بغير تفتيش، هو مجرد نظرة مارقة إلى محتويات حقيبتى.. حقيبتى التى لم تعد تحوى الكثير.. لا كتباً ولا أوراقاً ولا أقلاماً ولا جهاز التسجيل ذا الشرائط.. «عدة الشغل» التى أثقلت حقيبة فوق الكتف لعقود، ما عادت اليد ولا الكتف يقوى.

قبل ما يقرب من أربعة عقود ونصف، حين «انتظرنى» هناك، فى منتصف الساحة ليأخذ بيدى فيما جهلته، وغاب عنى، ولجأت «إليه» فيه، ساعية، علَّ النور يدلنى.. وهذا ما كان.. لم يكن فندق المشهد الحسينى وقتها قد غطى سطحه بالأسقف الخشبية، ولا كانت «فرشات» البائعين، قد تجاورت فيها قطع نحاس فاقدة الروح، بميكنة فى الأقاصى، وثياب ترتر وطرابيش وسبح.. أيامها كان الوصل ما زال قائماً، ما بين الأنامل والأرواح.. بين الأصابع التى تدق النحاس أو التى تخرط الخشب وترصع الأصداف وبين مكنون الصدور.. تعلق قلبى «باللحظة».. لحظة كانت أشبه بغيمة أو بخيمة، نسجها المكان وروائحه، ضوؤه المقطر، وسكينته المتسربة، دون إعلان.. سرنا متجاورين وأصابع يده لا تكف عن الإشارة.. إلى مئذنة هنا وبيت هناك.. لناصية وباب موارب، وبين طرفة عين وأخرى أسترق نظرة «إليك».. شاخصاً إلى ما لا أعيه.. نفس النظرة التى ظلت «مكمناً» لواحات صمت «يبوح».. قرأت فى سرى فاتحة الكتاب: للونسة والألفة والود وحفظ العهود والصفح الجميل.. للإنسانية والتوق دوماً لعالم مزدان بعدل وحرية ورحمة.. لطهارة اللقمة والنوايا والكد.. لمواطن الجمال، لما تصير «قبلة الروح».. «للكتف»، الذى له استندت وأستند، ولمن أزاح ظلمة الروح، وعمر القلب.. مسحت وجهى الغارق فيما بين حبات عرق وعبرات مكتومة، و«ظمأ»، لم تروه زجاجة ماء أحملها.. توقف خطوى هفوت إلى «طعم».. مذاق.. لراحة «بل الريق».. رضا «الارتواء».. كيف يتوحش الظمأ، إلى مدى لا يرويه ماء ولو كان زلالاً.. توازى سيرى باتجاه الدرب، واصطفاف يجاور الأزهر، سيارات شرطة ورجال يتلمسون مساحة ظل.. هجير «الشمس»، مهما قسا، يخف بظل جدار وسقف.. لكن «للروح» هجيرها، الذى لا يرطبه جدار ولا سقف.. ربما يخفف من وطأته، سعى باتجاه «ربع السلحدار».. الذى كان «فاتحة كتاب عيشنا».. أول خطوى على دربك، كان باتجاه «ربع السلحدار» فى خان الخليلى».. أهديتنى إياه حياً.. مُعاشاً (بضم الميم).. كنت «أنت» من فك شفرة أبجدية مصريتى.. عمدت انتمائى.. علمتنى «أن أعرف»، «فأدرك»، «فأحب».. أعرف وأدرك قيمة ما ومن أحب.

بتاريخ موجز لربع السلحدار، لاح دربى.. قبل أن نصعد درجاته المتآكلة لتعرفنى بالحاج «صالح» رحمه الله.. بعض من سلسال الأنامل الذهبية.. حدثتنى عن أنه حوى أنفاس الأفغانى والنديم وسعد زغلول وكيف من قبلهم، آوى إليه شهبندر التجارة.. سوق جهاكس الخليلى، الذى لم أسمع به إلا منك.. هل كان «جهاكس الخليلى» قبل أكثر من أربعمائة عام، يدرك أن «سوقه»، والدرب إليه، سوف يكون بعضاً من السلوى؟.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على الدرب على الدرب



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon