بقلم - ماجدة الجندي
لا شىء استوقفنى على شاشة التليفزيون فى رمضان الماضي، قدر الإعلانات وما عكسته اجتماعيا وأوجزته اقتصاديا.. كنت أرقب «الهوة» الشاسعة أو التناقض بين إعلانات الكومباوندز، حيث بيوت وقصور الجنة الواعدة على الارض، البحيرات وأراضى الجولف والخصوصية فى كل شىء والبعد عن الزحام والعامة، أو كما لخص واحد من الإعلانات وبين إعلانات تستجدى شربة ماء نظيفة أو سريرا فى مستشفى أو سقف بيت..هكذا يبدو المشهد على الشاشة وفى الواقع. إعلانات الجنة الواعدة على الأرض تستهدف طبقة بعينها، تنشد أساليب حياة الغرب، وحداثته، ولا مانع من تلقى بين حين وآخر بشىء او بتبرع او صدقة، للشق الباحث عن حنفية او سقف او مكان فى مستشفي. لكن الخط الفاصل ما بين حياة الشخص المستهدف بإعلان الجنة الواعدة والبنى آدم الذى يتوق لشربة ماء نظيف او ينتظر سريرا فى مستشفي، هذا الفرق يتلاشى تقريبا، فى مساحة من الفضاء العام..عندما يتعلق الأمر بحياة المواطن فى المنظومة العامة..يذوب الخط، تنهار فكرة التأمين الفردى او النجاة الفردية.. أو لنقل بوضوح يتأكد الفشل بجدارة لفكرة النجاة الفردية او الفرار الى مجتمعات الأسوار، واللوذ فى منتجعات للصفوة ويكون اليقين ان فردية النجاة لن تكفل سلامتك، وان امتلكت المليارات... غرق الشاب الرياضى احمد وصفى فى ماسورة شفط بواحدة مما يعدونها ارقى وأغلى قرى الساحل الشمالي..، امتلاكها يكلف الملايين والليلة الإيجار قد تصل الى عدة آلاف..بيوت بالملايين، وخلل فى أبسط الاشتراطات التأمينية: ماسورة شفط داخل البحر دون شبكة لا يزيد ثمنها عن بضع مئات من الجنيهات، ولا إدارة تراقب ولا متابعة ولا منقذون ولا اسعاف يأتى فى الوقت المناسب.زمان..كان على الشاطبي، الشاطئ السكندرى الشعبي، حراس بصفارة وروايات وإشارات.. كانت، ولو شبه المنظومة، تدرك أوليات الأمور كجزء من كل. مجتمعات الجنة الموعودة بكل ملايينها لم تستطع تأمين حياة الشاب احمد وصفى الذى أغرقته ماسورة شفط، لم تراع الف باء التأمين.. ضاعت حياة شاب تصور انه تم تأمينه فى مجتمع صغير يسوق على انه الأكثر اكتمالا..قبل عقدين او أكثر آل إلينا ارث.. فيه لاحت بوادر نوع من الانشطار الاجتماعي، شئنا أم ابينا.. ثروات، نزل معظمها على اصحابه بغير انتاج ولا كد، ولا قيمة مضافة..سبل سمسرة وعطايا واراض وزعت كخرط البسبوسة..ولدت صور لأكثر من مصر .. لم يأبه اولو الامر ولم يعد هناك هم مجتمعي عام نسعى الى التخفيف منه بإيجاد حلول أشمل تطول الجميع..سارت الامور فى معظم الاحوال، بالبحث عن نجاة فردية.. فمادامت لا تلوح فرص تحسين جودة الحياة للجميع، فعلى من يملك ان ينجو بنفسه.. تم تسويق فكرة الإنقاذ بعيدا.. مجتمعات داخل كومباوندز.. فيها كل ما يلزم الباحث عن جنة ارضية بعيدا عن العامة والسوقة والناس البيئة.. فيها حدائق الجولف وحمامات السباحة والاندية ويجاورها المدارس اللائقة .واقعة انهيار مول بوينت نايتى فى التجمع، تحت هطول الامطار، وغرق الشاب فى ماسورة الشفط بهاسيندا، وربما غيرهما، يحملان ضمنيا رسائل اخري، فى مقدمتها: كرتونية وهم الحل الفردي، حتى وان دفعت فيه مليارات.. هذه المجتمعات الآملة فى نجاة فردية، ينكشف أمانها الوهمى أمام بائعى وهم أمان الاسوار، الذين لم يلتزموا باكثر من تسويق شكل حياة حديثة، متغافلين عن أن اركان منظومة الأمان لابد لها أن تولد تنمو وتصح مجتمعيا, أى للجميع اولا وأخيرا.. ليأمن أى مواطن على حياته.. المراقبة لاجزاء المنظومة.. الثواب والعقاب.. التحقق من اشتراطات تسليم هذا المجتمع الملاييني.. الاسعاف التى ينبغى ألايستغرق وصولها لأى مواطن فى الأنفوشى او هاسيندا، غير دقائق ..كل ذلك لا يمكن ان تحققه حلول النجاة الفردية. الحداثة والتقدم منظومة، جذورها لا يمكن ان تنبت بمعزل عن الفضاء العام للمجتمع، عدالة توزيع الاعباء، لا تضمن فقط حقوق الضعفاء ولكنها تعنى منظومة امان للجميع. واقعة هاسيندا تستدعى شقى المحاسبة جنائيا ومدنيا ومحاسبة الإدارة والتحقيق ومراجعة الاسعاف والشركة التى تركت ماسورة الشفط دون شبكة ولكن الاهم والذى يسبق كل ذلك ان يؤمن الأغنياء بألا نجاة فردية، وان اداء التزاماتهم الضريبية والاجتماعية، هى التى من خلالها تعيد الحياة لمفاصل المجتمع، التى بدورها تضمن الامان والمتانة للمنظومة.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع