بقلم - ماجدة الجندي
سامحه الله زميلنا الإعلامى الأستاذ محمد الباز، الذى فى سياق متابعته لقضية ٥٧٣٥٧، طرح سؤالاً، ضمن ما طرح، حول «السى فى» الخاص بالسيد المدير التنفيذى للمستشفى.. سؤال وارد ومشروع، لكنه بالتأكيد لم يكن يدرى أنه بسؤاله قد «نكش» ذاكرة، لا تكف عن الربط والتأمل.. رغماً عنى وجدتنى أقول والله مصر دى «جبل»، جبل فعلاً لا مجازاًً.. إن العقود التى عشناها وكنا فيها شهوداً، لم نسمع، ولم يرو لنا أحد، كفيلة بأن تحس بمعجزة هذا البلد واستمراره، وقدرته الفذة على «هضم»، الزلط.. هل يمكن أن تتأمل جزءاً ولو محدوداً من «سيرة وطن» بالربط بينها وبين «سى فى» شخص؟ سؤال تال: هل تستطيع فى بلد غير مصر أن تجد رجلاً واحداً يترأس فى مشواره المهنى مؤسستين لا رابط مهنيا بينهما، ولعقود، بشرط وحيد هو أنه لم يتأهل بدراسة تخص أياً منهما ولم يدرس علم الإدارة ولا كانت له كرامات فى هذا المجال؟
مصر وحدها التى بالإمكان أن يجرى فيها هذا ولا يثير أى الأمر أى اندهاش، بل لا يستوقف الأمر أحداً ليسأل عن العلاقة بين أن تكون «درعمياً»، دارساً لعلوم اللغة، ولا يعرف عنك أى غرام بالكتابة، ثم تترأس واحدة من أكبر مدرستين للصحافة ولسنوات، وبعدها تقود أكبر مستشفى متخصص لعلاج أورام سرطان الأطفال، مع أنك لا أثبت عبقرية فى إدارة الأولى ولا فهم الناس سر جلوسك فى مقعد قيادة منشأة طبية.. هل يمكن أن يتحمل بلد غير مصر مثل هذه الظاهرة؟ هل يمكن أن يتطوع دارس أو باحث ببعض من وقته ليدرس هذا التوازى بين «سيرة وطن» و«سى فى شخص»، متخذاً تلك الحالة نموذجاً؟
سؤال الزميل محمد الباز فى سياق مناقشته لقضية مستشفى ٥٧٣٥٧ أعادنى لمنتصف السبعينات وكنت قد التحقت بمجلة صباح الخير عام ١٩٧٢، يعنى كنت فى الأتون ولم يرو لى أحد، وعاصرت المنحدر الذى تم وضع مؤسسة روز اليوسف فيه والدفع بها قصداً.. عقب ما عرف بمظاهرات الخبز، يناير عام ١٩٧٧، صدرت روز اليوسف بمقالات للأستاذين عبدالرحمن الشرقاوى، رئيس مجلس الإدارة، وصلاح حافظ رئيس التحرير، تحمل توجهاً مخالفاً لتوصيف الرئيس السادات الذى رأى أن ما جرى كان «مظاهرات حرامية».. كانت مؤسسة روز اليوسف فى هذا الوقت تعبر عن توجه منحاز للناس أو لنقل باختصار إنها وبتاريخها كانت تضم خلاصة الكتاب من اليسار.. المهم وبعيداً عن التفاصيل التى قد لا تتسع لها المساحة، يمكن القول إنه فى تلك اللحظة أضمر القرار «بتفكيك» هذه المؤسسة المناوشة المناوئة، ودون عنف.. أو اصطدام وبمنتهى النعومة.. رحل الأستاذ الشرقاوى وجرت فى الأمور أمور كانت الغاية من ورائها إعادة صياغة تركيبة روز اليوسف، وتحويل «عضمها» من أساطين الكتابة إلى مجرد أقلية لا تملك قراراً.. بحكم تكوين روز اليوسف، لم تكن مجرد مؤسسة صحفية، لكن أوتادها كانوا «كتاباً» ومبدعين، وفنانين تشكيليين، يتسمون بوعى وثقافة «مؤرقة».. أعداد هؤلاء كانت محدودة لأنها مؤسسة كانت لا تقبل «النص نص» كل سنة أو سنتين، تعين محرراً أو رساماً.. قرار تفكيك روز اليوسف سار على جناحين: التعيين بالغمر، ليصبح المناوئون أقلية، ثم وضع أسماء على مقعد قيادتها، علاقتهم بالصحافة كعلاقتهم بالفيمتو ثانية (التى لم تكن قد اكتشفها الدكتور زويل بعد).. وفى هذا السياق جلس على مقعد رئيس مجلس الإدارة أسماء، صارت من النوادر وجابت المؤسسة إلى درك معروف، وبالذات مجلة روز اليوسف باعتبارها الجناح السياسى للمؤسسة.. طبعاً هناك تاريخ طويل لتلك الفترة لكن سامح الله زميلنا محمد الباز وجازاه عن سؤاله عن «السى فى» للرئيس التنفيذى لمستشفى ٥٧٣٥٧، هو الذى أوحى إلىّ بتأمل «سيرة وطن من خلال سى فى شخص».. تلك الانفرادة المصرية الصميمة، التى أتحدى أن تجد لها نظيراً فى الدنيا.. ومع ذلك مصر مكملة.. استحملت وبتستحمل.. جبل والله!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع