توقيت القاهرة المحلي 05:23:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تأملات.. «عقارية»!

  مصر اليوم -

تأملات «عقارية»

بقلم - ماجدة الجندي

دخل المطوّرون العقاريون حياة المصريين، بفكرة «المجمع السكنى» المنغلق والمكتفى بخدماته، ربما قبل عقدين. بدأت الفكرة، برغبة نزوح القادرين إلى مجتمعات مسوّرة، يضمنون فيها حداً معقولاً من الخدمات، تعوّض تردى الخدمات العامة لمرافق الدولة، وفى الوقت نفسه، كانت هناك الرغبة من هؤلاء القادرين، فى ترك مسافة تحول بينهم وبين ما رأوه ونراه من تحول قيمى. التحول القيمى كان أغلبه فى اتجاه ما يجعل المجتمع فى حالة من «السيولة».. سيولة، فى حقيقة الأمر، لم يكن الفقراء وحدهم مسئولين عنها، بل كانت خيارات أو سياسات الاقتصاد، استتبعتها حالة «غض بصر» من الدولة، عن حقوق اجتماعية واقتصادية للأغلبية منزوعة السلطة، أراحت الدولة نفسها، تاركةً عوامل نحر، وتفاعلات اجتماعية، فانتقلت الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم وغيره، من خانة «الحقوق»، إلى خانة «الصدقات»، التى تعتمد على رغبة ومدى أريحية القادرين.. هذا «الغض للبصر» من الدولة، يكاد أن يكون مسئولاً، عن فقداننا، ليس فقط سلامة النمو، وصحة التطور، بل «المناعة الذاتية» لجسم المجتمع، فصار يتآكل ويأكل نفسه بنفسه. أجهزة الدولة، التى غضّت البصر عن الدور المنوط بها، إزاء الناس، جعل كثيراً من «الحقوق»، كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، تنتقل من خانة «حقوق المواطن»، التى يجب الالتزام بها، إلى خانة «الصدقات»، التى تعتمد على رغبة وأريحية القادرين.

على مدى العقدين، لم تعد فكرة «الكومباوند»، أو التجمع السكنى «المسوّر، مقصورة

على الأغنياء والقادرين، كأفكار انسحبت من الأغنياء إلى الشرائح العليا فى الطبقة المتوسطة، ثم إلى العتبات الأولى منها.. بتنا نرى إعلانات عن تجمّعات مسورة لعمارات أشبه «بعش النمل»، وبأذواق أقرب إلى الشعبية، أو المساكن الشعبية، بألوان زاعقة وطرز بلا ملامح، وأسعار ليست بالملايين صحيح، لكن ليس أقل من المليون، والمهم أنها تروج لنفسها بأنها فى «كومباوند».. طبعاً الأمر لا يخلو من طرافة فى الإعلانات المروّجة.. منها من يرغّبك فى شقة بكومباوند سوف تذهب فيه إلى السوبر ماركت «بالمركب»!.. وآخر يؤكد لك، أن امتلاكك شقة فيه، يعنى انتقالك إلى العيش فى فرنسا أو اليونان أو حتى رودس! طبعاً هنا ممكن أن يجد المشتغلون بعلوم الاجتماع، والأنثربولوجيون، أراضى بحث شديدة الإغراء، سواء عن مداعبة الأشواق الهائمة أو حالة «المسخ»، التى تجد تطبيقاتها فى المعمار، أو عن ركوبنا المتأخر فى قطار فكرة التجمعات المسوّرة، بعد أن أخرجتها البحوث المعنية من السياق الصحيح فى المجتمعات، لدرجة أن أمريكا نفسها، أم الاختراع الرأسمالى، صارت تبعد وتنأى عن تخصيص «بيوت» بعينها وفق المستوى الاقتصادى، واتجهت إلى نوع من المزج المقصود بين الطبقات، فتراها فى أحياء نيويوركية، تغرى المطورين العقاريين بمساحات على النهر، بإعفاءات ضريبية تصل لعشرين عاماً، مقابل أمرين: الأول أن يقدموا أنواعاً من التنمية المصاحبة لبناء ناطحاتهم شديدة الحداثة، كالحدائق وحمامات السباحة وملاعب الأطفال، وأن يتاح كل ذلك لكل مَن فى المنطقة، وليس فقط لسكان الناطحات الفاخرة.. وثانياً أن تحصل البلديات على نسبة من هذه الشقق الباهظة، وتقوم هذه البلديات بتأجيرها لفئات اجتماعية مُدعمة اجتماعياً من الحكومة، والنتيجة أن تجد فى نفس البناية مَن يدفع أربعة أو خمسة آلاف دولار فى الشهر، ومَن يدفع خُمس أو أقل من الخمس، والنتيجة هى مزج اجتماعى مقصود، وتطبيق مختلف لفكرة الدعم، لجأوا له بعد دراسات كانت محصلتها فى غير صالح مجتمعات الأسوار.. فى لوس أنجلوس لاحظت أنه حتى النجوم الذين ننبهر بهم على الشاشات، لا يعيشون فى مجتمعات مسوّرة.. ربما حدائق وقصور، لكنها غير مقصية (بالمناسبة روبرت دى نيرو يسكن فى شقة بعمارة مقابلة لحديقة السنترال بارك).. المضى فى مجتمعات الأسوار فى مصر، تجاوز فكرة الإعلان والترغيب المعلن.. صارت الإعلانات تعرف وجهتها، عبر الرسائل الخاصة، منعاً للقيل والقال، خاصة لو كان المعلن عنه موجوداً، فى تجمّع محدود داخل سور، جوّه سور، جوّه سور، والأسعار فيه تبدأ من ستة وثلاثين مليوناً إلى مائة وعشرة ملايين.. ورغم كل الاحتياطات، حدث ما تخوّفت منه الشركة التى تخشى وجع الدماغ، وتسرّبت رسائلها شديدة الخصوصية من واحد (ما بتتبلّش فى بقه فولة).. إلى الصفحات..!!

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات «عقارية» تأملات «عقارية»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon