بقلم - ماجدة الجندي
شددت الرحال وتوكلت على الله الى مكتب الضرائب العقارية بحى المعادي. فى مثل عمرى ربما يتقلص الاحتكاك بعوالم الحكومة الى حيز الهوامش. قبل عام تقريبا وفى نفس التاريخ كان لى نفس المشوار فى اولى تجارب الضريبة العقارية. كغيرى من الناس ربما أحمل هم مشاوير الحكومة، لكنى لا أضيق بها، بل ربما سعيت اليها كجزء مما انطبعت به حياتى المهنية التى أمضيت منها سنوات فى الاستقصاءات الصحفية، او ما نسميه شغل الشارع، بكل ثناياه وحيويته وتفاصيل حيوات الناس. تفحص الوجوه والأمكنة, تأمل ما تؤول اليه الاحوال. يلاصق مبنى الضرائب العقارية، مبنى جديد نسبيا لحى المعادي، لا تعرف له طابعا معماريا، لكنه يتسق وركاكة المعمار السائد فى زماننا فيه الرخام والقلل الحجرية والخلطة الحواوشى فى المعمار. ينزوى مبنى الضرائب العقارية الى جوار صرح مبنى الحي. ويعمل أفراده فى ظروف اقل ما يقال فى وصفها انعدام الإنسانية. مدخل او بوابة حديدية لا تشى بامكانية الفتح او الغلق، هى على وضع ثابت فى الأغلب وقد تعطل كل ما فيها ولم يبق غير الهيكل الباهت. باحة ترابية صغيرة تتوسطها بقايا شجرة وحيدة تتوسطها وفى الخلف منها مباشرة. باب على جانبيه لافتتان بخط يد، تشيران إلى حجرة لا تزيد مساحتها على مترين فى مترين ونصف. بالحجرة هيكل مكتبين ومقعدين وراءها ووجهان لاثنين من اكثر الوجوه، التى يمكن أن تستقرأ فى ملامحهما معنى الكد والكمد، ومع ذلك لا يتوقف صاحبا الوجهين عن معاونة الناس والرد على اسئلة عشرة انفار فى نفس الوقت الى هذين الرجلين الطيبين، اللذين فى موقع شبه رئاسى للوحدة، تأتى الاستفسارات الصعبة، أو المشكلات التى يعجز عنها الموظفون. خطوتان يقودك إلى ممر واسع قليلا تحول يوما ما الى صالة للموظفين المتعاملين مع الجمهور، من وراء ما كان يوما شبابيك، سقطت مع الوقت وصار التعامل عبر حاجز ممتد يقف وراءه جانب من الموظفين الذين يتنفسون لهبا وترابا مئات الملفات وهم واقفين على حيلهم، وفى مقابلهم جزء آخر من زملائهم منكبين على بقايا مكاتب وبين الجانبين يتوزع الناس يسألون عن إخطارات ضرائب لم يتسلموها او تسلموها. فى آخر الممر فتحة تقودك لحجرة ثالثة حيث الملفات اكوام (لكنها مرتبة للحق) ومن خلالها فجوات لما كانت يوما مكاتب او تربيزات لثلاث او اربع موظفين, احدهم بمثابة الخزينة التى يدفع عندها الناس، والآخرون لديهم ملفات حصر العقارات. مأمورية حى المعادى لها طبيعة فريدة. فيها الفيلل والقصور وفيها مشروعات اسكانية متوسطة واجتماعية على اطراف الضاحية. لو أرهفت السمع قليلا لحوارات الشبابيك سوف ترى موجزا لأمصارنا.. سوف يدهشك الذى جاء بثلاثة أو أربعة عناوين والذى باس ايده وش وضهر لأنه معفي. وقفت السيدة الاقرب الى هانم متوسطة العمر الى جوار أمها. مالت الأم على الهانم الصغيرة: انت سألت على شقة.. وشقة.. ورصت ثلاثة عناوين، توقفت بعدما علا صوت الابنة مستنكرة: انت عاوزانى افتح على نفسى فاتوحة؟ اقول على ايه وألا ايه؟. ردت الام طب ما هم حا يعرفوا. قالت الابنة: كفاية شقق الورث, وأضافت: فلان ( زوجها) هو حا يتصرف!. الام قررت ان تتقدم بحكمة عن شقق ورثها الابناء وجاءت بتوكيلات منهم لتسدد الضرائب، اما الابنة فهى ابنة زمن الحنكة والمراوغة وعندها امل كبير ان زوجها فلان حايتصرف.
قال الرجل للموظف: الدولة بتقول ان الاعفاء لشقة واحدة سكن لغاية اتنين مليون جنيه، ولا يمكن شقتى تجيب المبلغ ده.. رد الموظف: التقدير بيقول شقتك اتنين مليون و300 ألف. قال الرجل أنا حاطعن.. رد الموظف: ادفع وبعدين اطعن وإلا فيه غرامة.
إن حالفك الحظ، ووجدت مقعدا ولو بثلاثة ارجل فى اى مأمورية للضرائب، وصبرت على رزقك، سوف تدهشك خريطة الاسماء لكبارات منهم المناوئ الذى يرفع سماعة التليفون، ومنهم، على رأى الرجل الطيب الذى اطمأن الى أنه فى مبنى الضرائب العامة، وليس الضرائب العقارية التى مشكلتها أكبر لن يحلها إلا أن يصبح التهرب منها جريمة مخلة بالشرف, مراعاة الله نعمة, لكنها وحدها لا تضمن حقا.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع