بقلم - ماجدة الجندي
دعك من «جلافة» الإعلامية، ومنطقها البغبغاواتى فى ترديد ما تظنه، أياً كان، فذلك أمر تعوّدناه.. واركن على جنب ما أشار إليه بعض الزملاء عن مبادئ أقرها اليونيسيف للتعامل مع الأطفال فى ظروف التحقيقات، أو المقابلات الإعلامية وغيره، وتناسَ، بالمرة، «الفورة» التى اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعى، وحالة التعاطف مع الصبية القادمين من الفيوم وسوهاج وغيرهما، والذين تم ضبطهم بتهمة التهريب فى منفذ بورسعيد، وانتشر مشهدهم، مع الست المذيعة، وهى تحاكمهم على «الحرام» الذى يمارسونه، وعلى أنهم مجرمون فى حق البلد (جاى من بلدك عشان تهّرب!؟.. مبسوط من اللى إنت بتعمله!؟ بتشتغل فى الحرام يعنى! بتضر بلدك!؟.. فيه شغل شريف كتير.. لو دوّرت هتلاقى مليون عمل..!؟» دعك من حالة «الجلالة» التى كانت عليها الست اللى شايلة الميكروفون، وأنا أعنى التوصيف، وهى تمارس جلداً لا يبيحه أى قانون لصبية تهريب بضاعة نظير مائة وخمسين جنيهاً فى اليوم، وقم بتأجيل أى ردود عن مكان المليون فرصة عمل التى اقترحتها، غضّ البصر عن عمى البصيرة الإعلامى وفساد الذوق، والنزعات التربوية والوطنية، وركز مع «محفوظ».. محفوظ دياب، الصبى القادم من سوهاج إلى بورسعيد، لتعذّر، وشحّ اللقمة، وكان آخر المتكلمين من الصبية مع الست المذيعة وأقدرهم على بلورة «رسالة» متعددة الدلالات، وتأمل أمرين: أولاً ثباته رغم صلافة الست حاملة الميكروفون، وهو مقبوض عليه، ثانياً وهو الأهم، والأكثر نفاذاً: «رؤيته» التى أثبتها، ليس بدفوع ولكن بمنطق لم يهتز، ولا يمكن لك أن تدركه إلا فى سياقه وبنفس الألفاظ، التى عبّر بها «محفوظ»، والذى بلغ الذروة أو «الكريشندو» فى جملة من كلمتين، صوّبها للست حاملة الميكروفون «إنت ما حساش.. بينا».. قالت له: «جاى من سوهاج لبورسعيد عشان تهرّب؟»، رد «آه»، قالت: «مين دلّك على الشغلانة دى؟»، رد «أصحابى»، تمطّعت وقالت: «يعنى قرناء السوء؟» رد عليها: «لا.. مش قرناء السوء.. أمال نشتغل إيه؟»، قالت له: «اشتغل فى شركة نضافة»، رد عليها بشبه تساؤل: «بخمسين جنيه فى اليوم؟»، قالت: «دى بتاخد فيها كام»، رد: «١٥٠»، استدركت: «مين قالك إن فى النضافة هتاخد خمسين؟»، رد «أمال كام؟» ردت: «ما أعرفش.. بس أهى شغله شريفة».. ركز فيما سوف يستكمل به الصبى محفوظ: «والخمسين جنيه دى هتقضّى مين؟ بلاش أنا.. هتأكّل أم وتلات بنات؟»، قالت له: «على الأقل حلال».. هنا جاءت الخلاصة، كما يحسها «محفوظ» فى كلمتين: «إنت ما حساش بينا».. هنا نقطة ومن أول السطر، لأننا سوف نشهد نقطة تصاعد تحوّل فيها «محفوظ» إلى نائب عن «قرنائه»، فما إن جاء «الاستفهام الاستنكارى» من الست حاملة الميكروفون: «إيه.. إزاى بتقول كده؟» حتى راح يدافع عن قضيته، بفصاحة الصدق، مشيراً إلى أقرانه: «إزاى ده ما يروّحش بفلوس لأمه؟ إزاى ده ما يعرفش يكسى أخته؟.. هو إحنا.. مش محسوبين «ردالة» إحنا؟ إزاى الواحد يكسى نفسه ويجيب موبايل بالحلال؟»... استمر الحوار والست حاملة الميكروفون تدعو «محفوظ» للبحث فى الاستثمار والنضافة، وتضرب له أمثلة باللى بتشوفهم بيبيعوا على الشاطئ هدوم، إلى أن قالت له: «أنا زعلانة عليك»، فأعاد لها الكرة: «وإحنا زعلانين على نفسنا».. قالت له: «إنت بتستسهل».. كشف عن جرح فى ذراعه، ليبرهن لها «أنا مش باتساهل».. مضيفاً أنه يقوم بذلك ليعود إلى سوهاج بفلوس للعيد.. استمرت فى التقريع «مش بالحرام!».. قال: «بالحلال إزاى.. بالحلال هتكسب وأجيب..؟.. المهم خد بالك من نقطتين جايين.. لما قالت لمحفوظ: «شايفاك ناقم»، سألها: «ناقم إزاى يعنى؟»، قالت «حاسس كأن ده حقك» ولما اتهمته بأنه بيضر بلده، قال لها: «هى البلد مضرورة كده ومش مضرورة بالعربيات اللى محمّلة وبتعدى بالسلام عليكو؟».. تمسكوا الغلابة اللى زيينا، طب ما تمسكوا اللى طالع بمليون»...
أما الذى لم أستطع أن أمسك نفسى بعده، لما الست اللى شايلة الميكروفون قالت لمحفوظ الذى لم يجد لقمة عيش فى موطنه سوهاج، فجاء إلى بورسعيد والتقطه سماسرة التهريب، وأرجوك تماسك..
قالت له نصاً: «وباباك ومامتك بقى موافقين على اللى بتعمله!!!!؟».
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع