بقلم - ماجدة الجندي
بحكم العادة، سرى الموضوع وصار هو الفقرة الرئيسية لعدد من برامج التوك شو.. المشهد تحول على الأقل بالنسبة لعدد لا بأس به من الناس، إلى موضع للسخرية ومصمصة الشفاه.. بمناسبة شهر رمضان وعلى طريقة «اللى حافظ مش فاهم»، بدأ بعض من السادة الجدد، أصحاب البرامج، توجيه العظة الموسمية فى أهمية ألا يتحول شهر رمضان إلى شهر استهلاك و«أكل»! ورجاء حار من قرار قلوبهم أن يقتصد الناس ولا يشترون إلا قدر الاحتياج «ويا جماعة من فضلكم بلاش تبذير وتعالوا نضرب المثل، ولا تحولوا الشهر الكريم إلى شهر إهدار».. طبعاً هناك أكثر من مفارقة يمكن أن تستوقفك.. أبسطها أن هناك تقارير تبث من الأسواق عن نسب الاستهلاك وعلاقتها بالظروف الاقتصادية وأنواع من الركود فى بعض السلع التى ارتبطت برمضان وأن الذى كان يشترى كيلو أصبح يشترى «ثُمن كيلو»، هذا لو اشترى.. بعض البائعين اشتكى من ظاهرة «الفرجة».. الناس أغلبها لم يعد يملك غير الفرجة.. هذا وضع مفهوم مع كل التحولات والإصلاح والتعويم إلى آخره.. الخطاب الذى يدعو إلى «الإمساك» عن الشراء إلا بقدر الحاجة يبدو أنه «جاى» من فضاء غير الذى نعيش فيه، متجاهلاً أن الشرائح المتوسطة وليس فقط محدودو الدخل، لم يعودوا بالفعل قادرين حتى على الأساسيات وأنهم يواجهون حالة انعدام وزن حقيقى فى ميزانياتهم وأن ما كنا نتندر به عن شراء الأوروبيين اللحم بالشريحة والفاكهة بالثمرة، صار واقعاً لو تمكن منه البعض يصبح سعيد الحظ.. ولو دخلنا فى تفاصيل ميزانيات بيوت من كنا نعتبرهم «مستورين»، سوف يصبح حديث «الإهدار» وتحويل رمضان لشهر «أكل»، نكتة.
الحقيقة أن الفئة التى كنا نظنها مستورة فى طريقها إلى فقدان حتى هذا الستر.. والناس تتقبل معاناتها لأنها تريد أن تعبر بالبلد التى هى سترها الأكبر، لكن ذلك لا يمنع من أن «خطاب السادة الإعلاميين» بالدعوة للتقشف يبدو مستفزاً، بل يستحق وصفاً أقسى، ليس فقط لأننا لا نعرف مَن يخاطبون.. هل هو موجه لغالبية من الناس متوسطات دخلها صارت تقترب من دخل الفقر أو تخاطب القمة الذهبية «المحدودة» نسبياً التى ما زالت تقيم أفراحاً تتكلف الملايين، والتى تنشر إعلانات مصايف فى الساحل الشمالى كان آخرها إعلان عن تأجير بيت ساحلى بعشرات الألوف فى اليوم، ولن أشير إلى الرقم الدقيق لأنه تجاوز إمكانية احتمالى!!
أمر آخر لا يمكن تجاهله، بعض السادة المذيعين أدركه، على استحياء، فوضعه فيما يشبه الجملة الاعتراضية.. فيقول مثلاً «طبعاً يمكن واحد يقول إنت بتقول كده لأنك كذا...»، و«كذا» هذه تأخذ صيغاً متباينة تحاول أن تقول إنه صحيح ربنا فتح عليه شخصياً، لكن هذا لا يمنع من أن يدعو الناس «لربط الحزام».. فى بعض الأحيان، تأخذه «الجلالة»، أو تأخذها الجلالة، فيروح أو تروح تهتف فينا أن نكف عن الاستهلاك، بينما تضوّى الساعات أو المصاغ تحت أنوار الكاميرات، مما يجعل من «حديث التقشف» شيئاً «برانياً»، صناعياً غير مقبول صدوره.
المدهش أن يقوم مسئولون كبار بمداخلات مع مثل هؤلاء السادة، ليؤمّنوا على عظمة دعواتهم لنا بالتقشف وعبقرية ما يقولونه فى حرصهم على اقتصاد الوطن، بل إن أحدهم أخذته الجلالة هو الآخر، فراح يؤكد و«بالقسم» أنه لا شىء يقال بعدما تابع الكلام المتزن!
طيب.. هم يتخاطبون معاً.. «دخول» لا علاقة لنا بها، يعلق على كلامهم «مسئولون» يبدو أنهم أيضاً لا علاقة لنا بهم ولا اعتراض..
الاعتراض الوحيد أن يكون نحن، أو معظم الناس، هم الموجَّهة لهم هذه الدعوة بمراعاة التدبر وعدم التبذير: سواء الأطباء العاملون فى المستشفيات، أساتذة الجامعات، أصحاب المعاشات، تسعة وتسعون بالمائة من الصحفيين، موظفو الحكومة، الفلاحون حتى منهم من يملكون أرضاً يزرعونها أو الجالسون فى البيوت دون عمل.
مَن تخاطبون؟
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع