توقيت القاهرة المحلي 18:49:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روائح.. ومذاقات

  مصر اليوم -

روائح ومذاقات

بقلم - ماجدة الجندي

 كانت القرفة مطحونة أعوادا، على رأس ما جلبناه من السوبر ماركت العربى فى شيكاغو، قبيل رمضان. أكياس الملوخية المجمدة.. برطمانات ورق العنب المحفوظ, علب الرقاق المجفف، لفائف قمر الدين، أما الفول فكان حاضرا من الأمازون اون لاين.. رسمت وحفيدى فوانيس ورقية.. وأهدته «مه هدية» حضرها له رمضان واتفقت معه انه سوف يشاركنا الصوم لمدة ساعتين فى اليوم..تغرب شمس هذه البلاد البعيدة بعد الثامنة بدقائق.. ويحين الفجر بعد الثالثة صباحا بعشرين دقيقة.. قبيل المغرب بساعة، ضبطت تقنية الساوند كلاود على صوت الشيخ رفعت.. وعرفت الطريق الى الأذان بصوته الرخيم.

لم يفتن تحديد مواضع ابتهالات النقشبدى ..عززت مواقع اليوتيوب والساوند كلاود، بورقة مكتوبة وضعتها فى المتناول، بحيث يصير الإيقاع فى تتال يوحى كأن شيئا لم يتغير.. القرآن فالأذان.. ثم الابتهالات..اخذت ما يكفى من التدريب لأصنع عجينة القطايف فى البيت واطمأننت الى أن الاقراص المحشوة بخليط يحوى بعض القرفة، سوف يؤنس الإفطار فى الغربة.

كنت أريد أن أقبض على «بروائح» و»بمذاقات» و«أصوات» بعينها، هى ما تبقى .. ظننتها قادرة على استعادة زماني.. وملء المقاعد الشاغرة.. تفصلنا، ابنتى وحفيدى وأنا ، ثمانى ساعات عن تلك البلاد القصية التى يتناول فيها ابنى إفطاره ، وسبع ساعات عن الارض التى ما غادرناها إلا بأجسادنا.. لا يبدأ كل المسلمين اول ايام رمضان معا فى تلك البلاد البعيدة.. تربطهم أحبال سرية بمواطنهم الاولي.. قد تساعدك التقنيات الحديثة على إمكانية استحضار مفردات «الونسة».. او ربما تتصور لوهلة انك غلبت وغالبت «الوحشة» .

ربما تدعم إحساسك بمشاهد على شبكة التواصل الاجتماعي، كتلك التى وضعها احدهم ..«فيديو» صوره من اعلى الفندق الموجود فى ميدان سيدنا الحسين.. قبيل أذان المغرب وقد غطت الموائد الإفطار ساحة الميدان، والناس التى لم تجد موضعا تفترش الارض حول الاطباق ، واصوات تختلط خلالها التلاوة و صلصلة وكلام الناس. أغمضت عينى علنى أنجح فى اصطياد هذا المزيج الذى تعودته فى الحسين والذى كنت أستشرف به أمان الوصول..مزيج من رائحة التوابل والكباب والمسك والغبار المنبعث من ترطيب ارض الشارع بعد العصاري.. كيف يمكن ان تنصت للروائح وان تراها معا.. كيف يكون لحاسة الشم آذان وعيون وملمس؟ كيف لرائحة ان تبكيك وتشقيك وتؤنسك وترضيك..، وتمنحك الأمان لو لزم الامر انت تحاول.. ان تكون هناك وانت هنا او تكون هنا وانت هناك.. تتابع ما يشاهده الناس.. تصطنع نفس الإيقاع، حتى الإعلانات لا تنساها.

لكن الحقيقة انك هنا وروحك هناك، او بالاحرى إن «ال هنا» الحقيقية، هى التى «هناك» وأن كل محاولاتك، ولهثك للإمساك بما تتصوره يصنع حضورا حميما، عاجز امام استعادة حضور الروح التى تركتها هناك..هو ليس انشطار ما بين جسد وروح بل هو الغياب أو اللاحضور، لأن الوجود روح أولا .. قد لا تملك شجاعة أن تواجه نفسك بحقيقة ما تحسه، فتمعن فى استجلاب ما تعودت من روائح.. طبق فول بالثوم والطماطم.. طشة ملوخية.. قالت لى جارتى وهى تحييني، انها تستمتع بما ينبعث من روائح الطعام القادمة من شقتنا، وبعد ضحكات تبادلناها ووعد منى لها ان نتشاركه ذات مساء، اخذت طريقى الى خارج البناية علنى أجدها.. كنت افتش عن تلك اللحظة التى تستبق الأذان بساعة والتى كنت أخرج فيها الى الشرفة، فى استراحة محارب اطمئن الى ما تحويه القدور وأهدىء من مواقدها، وسقى الكنافة الساخنة المعطرة بالقرفة، بالشربات، وأروح بثقة، أحمل بعض الماء الى نباتاتى فى الشرفة، حيث كان يختار الجلوس فى تلك الساعة، وسطها، مادا بصره، الى الفراغ، تتمايل رأسه بهزات خفيفة مع آيات التلاوة القادمة من الراديو، لم أكن أقطع صمته.

أربت على كتفه، مغمضة العينين، أستنشق بملء رئتي، رائحة القرفة المختلطة، بالرائحة المنبعثة من الزرع بعدما ارتوي، بينما يغرق بيتنا فى سكينة آيات بصوت الشيخ رفعت.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روائح ومذاقات روائح ومذاقات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة
  مصر اليوم - مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon