بقلم - ماجدة الجندى
لماذا تُسن القوانين إذا كان أول من يخالفها هم مَن على رأس السلطة التنفيذية؟ وكيف يطمئن الناس لفكرة «القانون» إذا كان الأمر فى النهاية يتم رغماً عن هذه القوانين؟ وما هى الرسالة أو الدلالة التى يتم بثها برَكن القوانين على الرف من قبَل الوزراء؟
رغم المخالفة للقانون، قانون حماية الآثار، خرجت مائة وستة وستون قطعة من آثار الملك توت عنخ آمون، لتبقى لثمانى سنوات تلف ثلاث قارات، وتنتقل من «لوس أنجلوس» إلى تسع مدن أخرى هى باريس ولندن ثم واشنطن فسيدنى فى أستراليا وبعدها كوريا ثم يعود المعرض إلى أمريكا مرة أخرى ليبقى فى فيلادلفيا حتى ٢٠٢٢ وينتقل بعدها إلى شيكاغو حتى فبراير ٢٠٢٣، ثم إلى مدينتين يابانيتين، طوكيو وأوساكا!.. أربع قارات فى ثمانى سنوات، تلف فيها مائة وستة وستون قطعة من آثار توت عنخ آمون التى لا يمكن تعويضها بتعاقد تم مع «شركة» دولية، وأكرر «شركة»، وليس متحفاً ولا مؤسسة علمية كما اشترط القانون. كتب من كتب، واعترض من اعترض، وخرجت القطع الأثرية فى النهاية، وسط دفوع أهمها ما سوف تجلبه من عوائد مادية (خمسة ملايين دولار من أول المدن التى سوف تزورها، لوس أنجلوس). وزير الآثار اعتمد فى دفاعه على فكرة الدعاية لمصر والعوائد المادية، لكنا لم نسمع منه ما يُقنع حول الأهم وهو الموقف من القانون الذى لا يسمح بالتعاقد إلا مع مؤسسات علمية دولية أو مع متاحف دولية. القطع المائة وستة وستون تم التعاقد لعرضها بالخارج مع «شركة» أُثيرت حولها أقاويل. على عكس السيد زاهى حواس الذى برر معارضة خروج الآثار للمعارض الخارجية بكون أصحابها لهم مصالح شخصية، ولا أعرف ما هى المصالح، وهل هؤلاء المعارضون أصحاب توكيلات منافسة مثلاً؟ قال وزير الآثار إنه يقدّر الدوافع الوطنية لمن اعترضوا على خروج الآثار فى لفة مدتها ثمانى سنوات. لن أعيد ما أثير حول فكرة عرض آثارنا بالخارج، فهذا موضوع ليس وليد اليوم وسجلاته حافلة بقرارات لمحاكم نجحت فى إيقاف معرض واسترجاع قطع أثرية (فى عامَى ١٩٩٤ و١٩٩٦ ألغت المحكمة الإدارية العليا معرضين فى أمريكا واليابان استناداً إلى حيثيات لها أهميتها، على رأسها أن الآثار المصرية ملك للشعب المصرى وليس من حق هيئة الآثار وقتها الاستئثار بحيازتها) وحافلة أيضاً بتلفيات وشوائب شابت تلك المعارض، ولكن أتوقف عند ما عبر فوقه وزير الآثار وهو فكرة الإصرار على مخالفة القانون.
كان المدهش ليس فقط مبدأ المخالفة للقانون، ولكن المنطق الذى يرى أن «ما الضرر، ما دام عندنا ما يقرب من خمسة آلاف وأربعمائة قطعة لآثار توت عنخ آمون، أن تخرج مائة وستة وستون قطعة!» يعنى زى ما تقول خير ربنا كتير!
هل القناعة الشخصية للمسئول التنفيذى هى التى تحسم الأمر؟ وما فائدة وجود القانون؟ الحسبة الاقتصادية لا يمكن أن تكون وحدها هى المحك الذى يستند إليه المسئول فى تراث كمقتنيات توت عنخ آمون، خاصة أن جزءاً من المعارضة كان موجهاً إلى نفس هذه الحسبة. كتبت فى «الأهرام» قبل أسابيع عن دخول جماعات من المجتمع المدنى والمتخصصين، رافضة لخروج مقتنيات هذا المعرض الذى سوف يبقى خارج مصر لثمانى سنوات يتخللها الاحتفال بافتتاح المتحف الكبير، ويتخللها أيضاً الاحتفال بمئوية الاكتشاف، اكتشاف «كارتر» لآثار توت عنخ آمون.
التفاصيل حول كون السيد زاهى حواس يعمل مستشاراً للشركة التى تعاقدت على المعرض وأن هناك اتفاقاً موازياً للمعرض حول محاضرات فى المدن الموزعة على القارات الأربع يتلقى «حواس» مقابلها مليون دولار، وإن نفاها «حواس»، من العناصر التى لا بد أن تضعها فى الاعتبار حين تعلم أن المدخل الأساسى لهذا المعرض هو «لىّ عنق القانون» الذى علينا أن «نبلُّه ونشرب ميّته»!
نقلا عن الوطن القاهريه