بقلم - ماجدة الجندي
هذا أول ما تبادر إلى ذهنى وأنا أتابع حوار الأستاذ الدكتور محمد معيط أخيرا مع الزميل أسامة كمال، والذى سارعت بنشره الصحف القومية والخاصة على السواء، ثم حواره مع الأهرام.
ربما لم يكن المحتوى مغايرا لما تسير عليه الحكومة، لكن الذى لابد أن يستوقفك هو الشعور بأن وزير المالية لا يتخذ موقف القابض وحده على الحقيقة، وفى الوقت نفسه هو قادر بسلاسة ووعى على تفكيك المشكلة الى عناصر، ولا يمانع فى الاعتراف بوجود اخطاء عند التطبيق دفعت الى مراجعة للقانون.. ما توقف عنده وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق وقضية الضرائب العقارية، كان خطابه متوازنا الى حد بعيد، حين قال إنه كرجل دولة لا يقبل بغير تطبيق القانون، لكنه وفى الوقت نفسه يعى المثالب التى كشف عنها تطبيق القانون، وكيف أن آلياته لا كانت دقيقة ولا استوعبت الواقع. ربما للمرة الأولى أستشعر حضور وعى اجتماعى سياسى لمسئول لا يطل على الناس من مكتب مكيف أو من خلف أسوار كومباوند، ليثبت لنا أنه الأكثر إدراكا منا، لكنه ودون أن يخرج عن النص الحكومي، يمتلك قدرة على التواصل، بتراكم معرفى بواقع الناس، لم ينسه حين اعتلى الموقع، ولا نسخته سنوات دراسته بانجلترا.
طرحه قضية العدل الضريبي، ليس فقط باعتباره حقا للدولة ولا سعيا اجتماعيا لصالح الأضعف اقتصاديا من أبناء المجتمع، ولكنه صمام أمان الأغنياء قبل الفقراء.
علنى إن لم أكن مخطئة، أسمع للمرة الأولي، مسئولا تنفيذيا، يقر بالنظرية والتطبيق، أن نهج النجاة الفردية الذى طغى فى العقود الاخيرة لا يضمن على الإطلاق سلامة الاغنياء قبل الفقراء، وأن نقطة التوازن والسعى باتجاه مؤشر العدل، هى ضمان سلامة الجميع. فى سياق حواره على الشاشة، بإمكانك ترصد لغة ومفردات وتشبيهات تشير الى مواطن، تولى موقعا، لا هو غريب عنك، بشقته التى كان يسكنها فى الهرم، وكان يدفع عنها عوايد ولا بيت اهل زوجته القادمة من مصر القديمة، حتى لو ما كان يرمى اليه أنه: ما الضرايب العقارية الا امتداد للعوايد!.
لم يبد استنكارا ولا تأففا لما سأله الزميل أسامة كمال، بما يعنى أنه يخشى هروب المستثمرين ولا يخاف أن يهيج المواطنين، فقد أقر بوجع الناس وإن حاول أن يطرح المسألة بأنه قضا أخف من قضا، و حتى لو اختلفنا معه، فله آليات طرح يمكن مناقشتها، ولم يسرب لنا ذلك الاحساس بأنه علوى منزل.. طبعا لابد أن تضع سياق خطاب وزير المالية فى مواجهة خطاب إعلامى لا يتوانى عن المطالبة بأن يغادر البلد صاحب أى وجهة نظر غير التى يريدها صاحب البرنامج! وان البلد بلدهم وحدهم. او خطاب بعض التنفيذيين الرافضين لأى احتمالية أن يكون هناك قانون تصدره الحكومة وفيه شبهة خلل.
هذا وزير، يمتلك أدواته العلمية بمنتهى الثقة، تعلم جيدا وفى الوقت نفسه قادر على التفاعل مع الشارع.. لغته، أفكاره، الطريقة التى أقر بها صمود الطبقة المتوسطة، مفهومه ورؤيته للتوازن والسلام الاجتماعي، كل ذلك يطرح نموذجا مغايرا لما يطل علينا فى معظم الأحيان من مسئولين تنفيذيين، يشعرونك أنهم مستوردون، على الرغم مما يلقونه فى وجهنا.
مسئول تنفيذي، فاهم وقادر على إفهامك.. يرى انه ملزم أن يشرح لك مسئوليته عن أوجاعك الاقتصادية، رجل دولة. الوزير السياسى يساوى فرقا فى الأداء حتى وإن لم يستخدم أى شعار سياسي.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع