بقلم - ماجدة الجندي
المكتبة الكبرى أو La grande librairie، واحد من برامج السهرة على شاشة القناة الفرنسية TV5.. طبعاً، كما يبدو من العنوان، هو برنامج محوره الكتب، وجديد المكتبات، ومع ذلك وضعوه فى فترة السهرة، لأنه ببساطة برنامج ممتع وحى..! وهو جزء مما يمكن اعتباره من تقاليد الشاشة الفرنسية التى حولت الكتب إلى متعة وبهجة لا تقتصر على فئة بعينها وكان الأشهر من مقدمى هذه البرامج «بيفو» الذى نافس فى حضوره نجوم السينما. المهم أن مقدم البرنامج وبمناسبة صدور ترجمة فرنسية لآخر كتب صاحبة نوبل الأمريكية «تونى موريسون»، (٨٧ عاماً)، قد عبر المحيط ليلتقى ولمدة دقائق بـ«تونى موريسون»، فى بيتها بنيويورك، حاملاً الترجمة الفرنسية L origine des autres، وبضعة أسئلة رشيقة حول الأدب وما كان محوراً لأعمالها وأيضاً حول الرئيس الأمريكى الحالى الذى لم تشأ حتى أن تنطق باسمه، مكتفية بالإشارة إليه كرقم، (رقم ٤٥)، واصفة إياه بنعوت مباشرة، كالأسوأ، وأخرى لا تخلو من طرافة. قالت «موريسون» إنه يمكن أن يكرمش حواجبه ويبتسم، لكنه أبداً لا يستطيع الضحك! الضحك تجربة.. خبرة إنسانية، ليست فى مقدوره!
التقى مقدم البرنامج تونى موريسون، جالسة فوق مقعد مريح، وقد علق بفتحتى أنفها أنبوبتين شفافتين، تشيران إلى وضع صحى قلق، ومع ذلك قالت إنها تحس أن واجبها أن تعيش.. استمرارها فى الحياة ليس أمنية ولكن «واجب» فلا يمكن أن تموت والرئيس الحالى موجود، فالوضع «محزن ومؤلم وخطير!».
على الرغم من قصر الحوار مع تونى موريسون فإنه طوّف بمفاتيح لا يمكن إلا أن تتوقف عندها.. رؤيتها للأدب المتعة والحكمة معاً.. والمتعة لا تعنى قارئاً مسترخياً كسولاً.. قالت الأدب هو تجارب الحياة وهو واحد من أغزر منابع الحكمة.. وقالت إن آخر رواية لجارثيا ماركيز قرأتها لم يكن عدد صفحاتها يتجاوز المائة، وأنها تعمل الآن على عمل حجمه مقارب، يتناول مشوار شابين أحدهما أبيض والآخر أسود، كيف تمتد الجسور وتتقاطع المصائر..
لم تتخلّ موريسون عن ابتسامة موحية طوال دقائق اللقاء، ولا تغير إيقاع صوتها..
كان أبرز ما فى رسالتها كيف يمكن أن يحمل الأدب فى طياته «حيوات مليئة بالزخم» وفى الوقت نفسه «حكمة مقطرة»، ولكن الأمر مرهون فى جزء منه بذكاء وفهم المتلقى. موريسون لم يفتها الإشارة إلى أمرين، أولهما أنها ومن خلال عقدين كاملين عملت خلالهما فى جامعة برنستون، اكتسبت نوعاً من الخبرة فى رصد تفاعل الشباب، فى نقده لأمريكا، وأن هذا الشباب لا يتبع قواعد الماضى، وثانى ما توقفت عنده هو أن المرأة الأمريكية وإن صارت لها كلمة مؤثرة على المستوى السياسى والفنى، فإن أكبر ما تعانى منه حتى الآن هو عدم المساواة فى الأجور...
لم يكن لقاء موريسون الذى عبر لأجله مقدم برنامج السهرة «المكتبة الكبرى» غير جزء، أو فقرة فى برنامج لم تستغرق غير بضع دقائق، أعقبتها مناقشة لكتاب حول الأخطار التى تتهدد ليس اللغة الفرنسية، ولكن «جماليات اللغة الفرنسية».. صاحب الكتاب ينبه: لم يعد هناك كتابة أدبية «تليق»، جماليات اللغة ليست ترفاً، الحس بها، تذوقها.. والحل أكثروا من المسرح والشعر والأغنيات عذبة الكلمات والمعانى وإلا كنا «نخون بلدنا». إلى هذا الحد بلغ القلق! سهرة مع «الكتب» تتحول إلى «بهجة المعرفة».. أمر لم نتعوده لكنه موجود.. كيف يمكن أن تحس الشعور بالحيوية والبهجة، وأن عقلك شغال.. درجة الثقافة والوعى تفرق كثيراً فى الإعلام، على الأقل الواعون يختارون ما يدفعون لأجله تذاكر وطيران..
الإعلام مدارس.. والعبرة بالمناهج!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع