توقيت القاهرة المحلي 18:53:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دك التراث!

  مصر اليوم -

دك التراث

بقلم - ماجدة الجندي

كان مشهدا بالغ الوجع.. صورتان لقبر تم نبشه. أسفل الشاهد الرخامى للقبر تم حفر تجويف طويل امتلأت بأكياس البلاستيك السوداء..صورتان على الفيس بوك ، لقبر المحامى الوطنى المصري، وطنا وانتماء، اليهودى الديانة شحاتة هارون، نشرتهما الابنة السيدة ماجدة هارون، الرئيسة الحالية للطائفة اليهودية المصرية، على صفحتها الخاصة وكتبت ما يبدو فى ظاهره: طلبا للسماح من الأب الراقد فى تراب وطنه، لأنها لم تستطع ان تحمى حرمة المثوى الذى صمم طوال عمره ألا يدفن فى أرض غيره، إلا أنه فى حقيقة الامر: أحد الادلة اليومية، التى اعتدناها على انتهاك حرمات تراثنا الوطني، بكل عناصره ودون استثناء، من مساجد وبيوت وحتى المقابر من ابن خلدون إلى شحاته هارون.. هارون المحامى المصرى ( 1920-2001) الذى ولد لأبوين مصريين وعاش وتربى وتعلم وتخرج فى جامعتها وانحاز الى انتمائه وردع كل محاولات ضرب هذا الانتماء والذى أسس رابطة ضد الصهيونية وتاريخه يحتاج الى مساحات. ربما لا تعرف هذه الأجيال الأخيرة والتى شبت فى مناخ اقصائى عنه شيئا، لكنه المصرى اليهودى الذى تشبث بوطنه مصر، وكان اليهودى الذى يكره اسرائيل وكتب كتابا له نفس العنوان.. يهودى يكره اسرائيل.. إسرائيل التى رفضها ورآها كيانا مناقضا للتاريخ وللجغرافيا، فكتب الى النقيب احمد الخواجة فى اثناء حرب 1967:( تحية كفاح أرسلها مع استمارة تطوع تاركا لك اختيار الموقع الذى أستطيع منه أن أؤدى واجبي). وهو الذى كتب الى الشاعر الفلسطينى محمود درويش حين قرر الخروج من حيفا: تحية لك من القاهرة، صخرتى التى لن أبيعها بلآلئ الدنيا والتى لن أهجرها.. أنت وأنا الأمل إن عدت أنت الى حيفا وصمدت أنا فى القاهرة. عاش هارون مصريته، مهما كلفه ذلك فى اوقات كثيرة، وكان مستعدا طوال الوقت لأى شىء، إلا أن يفرط فى انتمائه وكثيرا ما تعرض لمنغصات، لم تميز ولم تدرك ولم تع دلالة تشبثه بمصريته، فكان يكتب الى الرئيس عبد الناصر، ويتصدى لأى محاولة خارجية للصيد فى الماء العكر، حتى حين حاولت جريدة لوموند فى فترة أن تكتب عنه كمضطهد، رد بمقال أرسله خلاصته أنه فى بلده مصر يعرف كيف يدافع عن نفسه. شارك هارون مع المؤسسين لحزب التجمع، وكان المدافع دوما عن الضعفاء.. كان جزءا من المشهد الوطنى فى كل لحظة حاسمة، وعرف بيته اسماء وأسماء حتى أطلقوا على بيته محطة مصر. شحاته هارون ويوسف درويش، وغيرهما من مصريين كانت اليهودية دينهم هم جزء من المصريين ولا أتصور اننا بعد غير قادرين على التمييز ما بين الدعوة الصهيونية ومن اعتنق اليهودية، فهذا عار وجهل. منى ونادية هارون، ابنتا شحاته هارون، واراهما ثرى الوطن الذى ولدن على ارضه، وفوق قبريهما، أقيمت عماراتان عشوائيتان. لم تستطع لا قوانين ولا أعراف ولا حتى الحد الأدنى من الانسانية ان تحمى العظام والحرمات، من تغول عقلية المقاولين التى لا تتوانى دون اى رادع عن محو تاريخ وتراث وطن وتدك وتهدم كل ما يقابلها. تربطنى بالابنة الثالثة للمحامى المصرى شحاتة هارون، السيدة ماجدة, سنوات صبا عشناها فى مدرسة واحدة هى ليسيه الحرية بباب اللوق وكانت معنا ايضا شقيقتها نادية التى رحلت عام 2014، والتى وقفت ماجدة هارون ونحن فى العزاء بالمعبد اليهودى بشارع عبد الخالق ثروت، تطالب محمد ومينا وكل المصريين بالحفاظ على تراث يهود مصر الذى هو جزء لا يتجزأ من تاريخ وتراث مصر.. توقفت طويلا عند ما كتبته ماجدة هارون تحت صور قبر أبيها المنتهك، واستشعرت كل ما ألم بها من وجع وعجز وهى ترى اندثار قبر شقيقتيها، تحت عماراتين عشوائيتين ثم تترقب نفس المصير لقبر أبيها. ماجدة هارون راحت تستسمح أبيها «معلش» يا شحاته هارون مصر، صخرتك التى لن تبيعها بلآلئ الدنيا، دفناك فيها. فى مقابر البساتين. حاولت وقابلت واتكلمت: يا ناس الحقوا.. ساعدونا.. ابنوا سورا حول المقابر انا لو كنت قادرة ماديا كنت بنيت السور طوبة طوبة عشان أحمى ذكرى الناس اللى اندفنت هنا من ايام ابن طولون. عبارات السيدة هارون لا تلخص ألما بلغ الذري، لكنها توثق جزءا من هدم تاريخ وتراث بلد لا يملك غيرهما.

نقلا عن الاهرام القاهريه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دك التراث دك التراث



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية
  مصر اليوم - نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon