بقلم - هناء عبدالفتاح
تحسست مسدسي في اللحظة التي أعلن فيها المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة تسلمه الأتوبيس أبو دورين »صنع في مصر» المكيف المزود بخدمة الواي فاي والذي من المقرر تسييره في شوارع المحروسة قريباً، حيث أعاني من انطباع حضيضي يلازمني منذ حوالي عشرين عاماً عن مثل هذه التجارب المفعمة بالبهجة والأمل، يومها كنت أتابع من شرفة بلكونة بيتنا بدء تشغيل النافورة العظيمة التي افتتحها رئيس الحي وبعد ساعة واحدة من انصرافه وانصراف الكاميرات قلع أطفال الحي » ملط » ونزلوا للسباحة فيها ! نزلت جري أستجديهم أن يتركوا النافورة في حالها ويتركونا نستمتع بمنظرها الجمالي فقال لي أحد أحباب الله حرفيا »وإنتي مال أمك إنتي» وطرطش علي وشي مية، نشفت وجهي سريعا وجريت علي قسم الشرطة لأستنجد بالمأمور وأطلب منه حماية النافورة، استجاب الرجل مشكوراً وفي اليوم التالي تم إحاطة النافورة بقضبان حديدية عالية حتي لا يستطيع أحد التسلل إليها، لكن علي ميييين ! استطاع أحباب الله حشر أجسادهم النحيفة التي لا تتجاوز عقلة الإصبع في القضبان الحديدية فعبروها وقلعوا ملط تاني وتالت ورابع واستحموا فيها برضه، أيام معدودة وتوقفت النافورة عن العمل بعد تكسير سيستم الإضاءة فيها بالكامل وأصبحت مكانا مهجورا يتسع لاستقبال أكياس الزبالة من كل صوب وحدب وراح المنظر الجميل وراحت معه فرحتي بأن أستقبل يومي بمنظر بديع للمياه وهي ترقص أمام عيني، لم تمح مأساه النافورة من ذاكرتي، ليس لأنها مازالت حتي الآن عبارة عن مقلب زبالة مهجور فحسب، وإنما لأني أضفت عليها مأساة صناديق القمامة التي دفعت بها محافظة الإسكندرية في الشوارع حتي لا يضطر الناس لإلقاء فضلاتهم علي قارعة الطريق فتمت سرقتها، فلنعد إذن للأتوبيس أبو دورين حتي لا نقلب المواجع أكثر، أتصور بعد يومين من تسيير هذا الاتوبيس العظيم ستعلو الأصوات بداخله وتتضارب، صوت 1: الباسورد يا أسطاااااااااااااا، صوت 2 : أنت يا أستاذ عمال تحمل فيديوهات والنت ضعيف بسببك ميصحش كده، صوت 3 وغالباً سيكون لرجل عجوز : إيه يا إبني اللي إنت بتتفرج عليه ده مفيش خشا ولا إيه ده جيل إيه المنيل ده، وأخشي ما أخشاه أن تتحول التجربة لمأساة جديدة تضاف لمأساتنا في ثقافة التعامل مع المال العام، لذا، أتوسل إلي صانع القرار في أي موقع أن يرفق مع أي تجربة جديدة مماثلة كاميرات مراقبة وينوه عن وجودها، كاميرات المراقبة هي الضامن الأوحد والأفضل لنجاح مثل هذه التجارب، وأعتقد أن من يصرف ملايين ومليارات علي مثل هذه المشاريع لن تعجزه تكلفة وجود كاميرات تراقب وتردع المخربين وتحمينا أيضاً من الإحباط الشديد ومن القسم بالله العظيم تلاتة إن مفيش فايدة
نقلا عن الاخبار القاهرية