بقلم - نوال مصطفي
شئ رائع أن تخرج الصحيفة عن المألوف والروتيني في متابعة الأحداث المحلية والعالمية، وأن تقتحم موقعا خاصا جدا، نسج الخيال حوله آلاف القصص والحكايات. أتحدث عن الانفراد الرائع الذي فاز به الزميل عاطف عبد اللطيف، المحرر بالأخبار بزيارة المعتقل الأشهر في التاريخ "جوانتانامو" الذي يضم أشهر إرهابيي العالم، وبين جدرانه يعيش خمسة من المتورطين في هجمات سبتمبر 2001. استطاع عاطف عبد اللطيف أن ينقل لنا شكل معتقل "جوانتانامو" من الخارج والداخل، ويحكي كيف يعيش السجناء هناك.
من الخارج يبدو كسجن عادي جدا ليس هناك شيء يميزه، من الداخل وصف لنا شكل الزنزانة، ونوعية المعاملة التي يتلقاها المعتقل، وهي ـ كما ذكر ـ تراعي الاحتياجات الأساسية، وتوفر لكل منهم الحقوق التي يتضمنها قانون السجون الأمريكي. فلكل معتقل زنزانة نظيفة بها سرير وفرش، وحمام. يتسلم المعتقل ملابس وأدوات النظافة الشخصية، ويحافظون علي تقديم الطعام في مواعيده، وخاصة في رمضان حيث إن كل المعتقلين من المسلمين. هناك جرس يعلن مواعيد الأذان وسجادة صلاة وسبحة تقدم لكل منهم.
يقول عاطف إنه كان ممنوعاً من إجراء أي أحاديث مع المعتقلين الموجودين حاليا داخل المعسكر، باعتبارها أحد الشروط الرئيسية لموافقة وزارة الدفاع الأمريكية علي القيام بتلك الجولة. لذلك لم يستطع التحقق من مدي صحة تلك الأحاديث أو اختلافها. وأكد أنه في الوقت نفسه كان هناك تعاون من فريق الضباط والمسئولين الذين كانوا بصحبته، وحرصوا علي الإجابة علي تساؤلاته بقدر الإمكان.
هذا المعتقل يتكلف سنويا 445 مليون دولار، وتكلفة المعتقل الواحد سنويا تصل إلي عشرة ملايين دولار! مبلغ كبير جدا توقفت أمامه بمزيد من الدهشة. ويحتوي مكتبة تضم 33 ألف محتوي بتسع لغات. والله شيء رائع إذا كان حقيقيا.
الصور التي نشرت مع هذا الانفراد الرائع للأخبار تعطينا إحساساً أن كل ما رسمناه بخيالنا عن أشهر معتقل في التاريخ بعيد عن الواقع. أو ربما تكون الفخامة وتوفير كل الاحتياجات الإنسانية للمعتقل هي الغلاف الخارجي البراق، الذي يحجب الرؤية عن ممارسات أخري رهيبة وشائنة من تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان. وكيف نتبين ذلك دون السماح للمحرر بلقاء المعتقلين والتحاور معهم؟.
علي كل حال، أري أنها مغامرة صحفية افتقدناها منذ زمن، وانفراد حقيقي للأخبار يستحق صانعه جائزة الانفراد الصحفي في جوائز نقابة الصحفيين وجوائز مصطفي وعلي أمين وجوائز أخري.
فهذا المعتقل أثار منذ نشأته في 2002 جدلاً واسعاً في العالم كله لأسباب عديدة تتعلق بحق المحتجزين في محاكمات عادلة، وبرغم تأسيس محكمة جوانتانامو التي تختص بالأساس بالنظر في قضايا المعتقلين والبت في التهم الموجهة إليهم إلا أنه مازال هناك بعض المعتقلين داخل السجن دون تهم محددة.
تلك المحاولة للاقتراب من هذا اللغز الغامض الذي كان ولايزال يمثل رعباً في أذهان الناس في العالم كله تستحق التقدير والإعجاب. فشكراً لرئيس التحرير خالد ميري الذي أتاح الفرصة لعاطف عبد اللطيف وساند مغامرته الصحفية حتي تخرج إلي النور. وأتمني أن تعود الانفرادات الصحفية لتحتل مكان الصدارة في صحفنا المصرية، ويعود زمن كان للصحافة تأثير ودور وهيبة.
*** فيلم "The Post" المرشح لجائزة الأوسكار يحكي قصة حقيقية لصحيفة عريقة وكيف تصدت بشجاعة وبطولة لتبقي صوتاً لحرية الصحافة والرأي. الصحافة التي يتحدث عنها الفيلم هي التي تكشف الفساد وتتصدي للمنحرفين وتكون صوتاً حقيقياً للشعب. الرائعة ميرل ستريب والعبقري توم هانكس قدما دوريهما بتقمص ومعايشة، والمخرج ستيفن سبيلبرج أفاض في التفاصيل في الجزء الأول من الفيلم، لكنه سرعان ما أخذنا في الجزء الثاني إلي ملحمة درامية عالية المستوي في التمثيل والتصوير والإخراج العبقري. فيلم يستحق المشاهدة والأوسكار أيضا
نقلا عن الاخبار القاهريه