بقلم - عائشة عبدالغفار
لقد سنحت فرصة زيارة روبير سوليه لكل من مكتبة الاسكندرية والمعهد الفرنسى بالمنيرة ومشاركته فى ندوة فرنسية مصرية بجامعة القاهرة أن يكشف ما لا نعرفه عن مصر والعلاقات مع فرنسا، بحكم جديته وتنقيبه فى ماضى وحاضر أرض الكنانة بنظرة ميكروسكوبية وعاطفة جياشة إزاء البلد الذى ولد على أرضه «ونوستالجيا» مرهفة وموضوعية الباحث والأديب المرموق وجاذبية «الحاكي».
إن كتابه لقد صنعوا مصر يبرهن على أن مصر لا تمثل فقط الحضارة وإنما هى أكبر بلد فى العالم العربي، وطن شاب، ديناميكى ومدهش عاش تجربة ميدان التحرير ذات الطابع الرمزى فى قلب ربيع تم إجهاضه !
لقد كشف لنا الكاتب الصحفى المتدفق إن مصر عقب فترات من الاحتلال الأجنبى كسلت بعض الشيء وإنما واجهت الحداثة عام 1798 عند اندلاع حملة بونابرت التى فجرت المشاعر القومية. لقد نجح الروائى المؤرخ فى تحليل هذه الصحوة من خلال عشرين شخصية، من بينهم سياسيون مثل محمد على باشا، وعبد الناصر والرئيس السادات ومفكرون انبهروا بعصر الأنوار فى فرنسا مثل طهطاوى وطه حسين أو علماء مسلمون مثل محمد عبده أو كتاب وفنانون مثل نجيب محفوظ وأم كلثوم وهدى شعراوى رائدة التيار الانسوى فى العالم العربى مروراً بالخديوى إسماعيل وسعد زغلول..
لقد برهن كيف فتحت الحملة الفرنسية الطريق أمام محمد على مؤسس الدولة الحديثة الذى أنشأ مدرسة الألسن وشرع فى ترجمة مئات المؤلفات الأوروبية وإصدار تشريع خاص بالحفاظ على التراث والاهتمام بتعليم البنات. وشرح الكاتب فى دراسة متألقة كيف برع رفاعة الطهطاوى كرائد إصلاحى مبشراً بالنهضة،
ويختتم سوليه كتابه المثقل بالمعلومات عن شخصيات مصر التاريخية بفصل عن الرئيس السادات بعنوان «ضد التيار» وآخر عن دكتور بطرس غالى بعنوان «الدبلوماسى القبطي» وثالث عن حسنى مبارك بعنوان «الفرعون المخلوع» ورابع عن نجيب محفوظ بعنوان «العالمية الأبدية» والأخير حول الرئيس عبدالفتاح السيسي.
يصف اذن أهم حقبات فى حياة السادات بطل العبور مبرزا مسيرته من ثورة التصحيح إلى حرب أكتوبر ثم رحلة القدس ثم حادث المنصة واحتفاء العالم به لأنه علامة بارزة فى تاريخ مصر ورائد للسلام.. أما الفصل الخاص لـ بطرس غالى فهو يكشف فيه كواليس مهمة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية وعلاقة الرئيس السادات بمعاونيه، وكيف وقف بطرس مؤيدا للرئيس السيسى الذى تصدى للإخوان المسلمين، وفى الفصل الخاص بالسيسى يؤكد الكاتب أن الرئيس السيسى قد توقع أنه سوف يحكم مصر مثله مثل الرئيس السادات. ويرى سوليه أن الجيش قد حظى بشعبية كبيرة فى 2011 وان أغلبية المصريين يشعرون بأن السيسى قد أنقذ الدولة وردع اندلاع حرب أهلية!
مؤكدا أن أولوياته هى الأمن والتنمية الاقتصادية. ان تناوله لمصر فى عهد السيسى يكشف أن مصر تفادت الانقسام والفوضى على عكس العراق وسوريا وليبيا واليمن. كما أن الأمة التى استيقظت منذ قرنين تبقى قوية شامخة رغم المصاعب والمعوقات التى تعتريها.. ولقد أكد خلال تقديم مؤلفه أهمية توظيف الأموال والإمكانات من أجل دعم التعليم وتنمية روح النقد البناء والانفتاح على الخارج، كما كان يطالب نجيب محفوظ الذى يتمتع بقيمة عالمية وقرأ أمهات الكتب الأجنبية ـ اننى اتفق مع سوليه عندما يقول لقد خسرت مصر عددا من الأقليات مثل الأرمن والإغريق وغيرهما من الجاليات التى ساهمت فى نهضة مصر لأنهم جميعهم كانوا جزءا من النسيج الوطنى المصري، تحية لروبير سوليه الذى يروج لتاريخ وواقع استمرارية مصر العريقة خارج الحدود ولإسهامات المرأة المصرية وزوجات بعض عظماء مصر مثل صفية زغلول وسوزان طه حسين وجيهان السادات اللاتى تركن بصمات راسخة فى أحداث ومجرى تاريخ مصر الانسانى والاجتماعى والتنويري.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع