بقلم : عائشة عبدالغفار
هناك عدة سلوكيات انتحارية تبدو وكأنها تعرض أكبر قوة فى العالم للتضاؤل، أو الاحتضار بسبب السمنة أو البدانة المرتبطة بنمط الاستهلاك، الاستعمال المطلق لجميع أنواع المخدرات، والحرية المطلقة من خلال تبادل طلقات النار فى جميع الأماكن العامة. فبالنسبة للسمنة المفرطة فإن 40% من سكان أمريكا يعانون السمنة من بينهم نحو 18% لا يتعدى سنوات عمرهم 18 عاما مقابل 14% منذ عشرين عاما.. ولا شك أن السمنة تسهم إسهاما كبيرا فى زيادة مرض السكر وفى الأزمات القلبية وبعض أنواع السرطان.. إن السمنة تكلف الدولة نحو مائتى مليار دولار كل عام لمعالجتها... هذا الرقم الخيالى يزداد لأن السكر هو السبب الأساسي. أما بالنسبة للمخدرات فالولايات المتحدة تستهلك 80% من الإنتاج العالمى من المخدرات المزدوجة بالأفيون ووفقا لإحصائيات مجلة «الإكسبريس» الفرنسية فإن 3 ملايين أمريكى خاضعون للمخدرات ويزداد عددهم يوما بعد آخر ووفقا للمعهد القومى للمخدرات بالولايات المتحدة فإن هناك إفراطا فى الكميات قد أدى إلى 64 ألف حالة وفاة عام 2016، ولا ننس الاستخدامات الجديدة للهيروين والمخدرات الجديدة مثل «الفينتانيل» وهو دواء مخدر اصطناعى أقوى 50 مرة من الهيروين! وبالنسبة للأسلحة فنحو 30% من الأمريكان يحملون سلاحا ناريا... وفى عدد من الولايات فإن طفلا فى عامه الثانى عشر يستطيع أن يشترى سلاحا, كما تم تسجيل 32 ألف حالة وفاة من خلال الأسلحة النارية عام 2015 من بينهم أكثر من عشرين ألف حالة انتحار... إلى جانب 18 هجوما على مدارس أمريكية منذ بداية هذا العام..
هذه الحقائق المسلم بها بدأت تزعج أوروبا عامة وفرنسا خاصة ويجب أن نحذر نحن أيضا منها حفاظا على شبابنا فى المنطقة العربية والشرق أوسطية فعشرات الملايين من الأمريكان يعانون السمنة المفرطة كما يستهلكون المخدرات ويحملون الأسلحة النارية والسؤال الذى يطرحه خبراء علوم الاجتماع, لماذا ليس هناك أى رد فعل من الإدارة الأمريكية؟! والإجابة هى أنها لا تريد أن تناقش أو تعرض النظام الاقتصادى للبلاد للخطر لأن صناعات السكر والمخدرات والأسلحة هى أقوى صناعات فى الولايات المتحدة وهى تفسد رجال السياسة من خلال الهبات والمنح، وعقول المواطنين من خلال الحملات الإعلامية! والرئيس ترامب الذى يظهر أن كل شيء كان على أحسن ما يرام فى الماضى ليس مستعدا أن يغير ذلك! إن أمريكا تنتحر كما يرى خبراء السياسة... جزء من البلد لم يعد يحب بعضه البعض ولا يريد أن يؤهل مستقبله وهو يركز على الحاضر وعلى المتعة المباشرة التى تحمل فى طياتها الموت.
إن أمريكا بشكلها الحالى خطر على نفسها وعلى العالم. ويدلل على ذلك المفكر السياسى والاجتماعى اللامع جاك اتالى مستشار الرئيس الفرنسى الأسبق فرنسوا ميتران قائلا: «عندما يكون هناك رغبة فى الانتحار فلا يهم أن نسحب الآخرين نحو الموت». إن النبض الأمريكى الحالى قد يجرف البلاد نحو مغامرات عسكرية مجنونة وإنما الشباب الأمريكى يتحفز ويقاوم وأصبحت هناك ردود فعل ومظاهرات ضد الساسة الفاسدين «ولوبي» الأسلحة.. كما بدأ أيضا التقليل من استهلاك السكر والابتعاد عن المخدرات يجب أن نؤمن بالشباب وأوروبا ترى انها يجب أن تبذل كل ما فى وسعها لنجدتهم. إن هذا الشباب هو أيضا مستقبلنا إذا كنا نراهن على العولمة ونريد توحيد اتجاهات المستقبل مع شباب العالم من أجل مصلحة الإنسانية وفرض قيم جديدة..
هناك مثل يقول إن «الصدقة» «charity» المنظمة تبدأ من أنفسنا فكيف يريد ترامب معالجة قضايا العالم وإعادة تعديل الحدود ونقل العواصم وإهدار حقوق الشعوب قبل أن يبدأ فى معالجة قضايا أمريكا الحيوية؟!
نقلاً عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع