بقلم - عائشة عبدالغفار
لماذا لا تحتج حكومات الغرب على مأساة مذبحة الأكراد فى سوريا على يد الجيش التركي؟ وكيف يستطيع زعماء الغرب الدخول فى نوم عميق متجاهلين إبادة جماعية عنصرية مبرمجة، لاشك أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد أنقذت صورة القارة العجوز وإن كانت تصريحاتها قد جاءت متأخرة بعض الشىء، عندما أعلنت بأسلوب صارم أن هجوم تركيا على «عفرين» الكردية غير مقبول حيث هناك آلاف وآلاف المدنيين المقهورين يلقون حتفهم أو مضطرون إلى الهروب!
إن السكوت على مأساة أكراد سوريا معناه قبولها وأمام هذا الاستخفاف والجبن يجب أن نعيد إلى الأذهان الحل السياسى الذى اقترحه وينستون تشيرشل عام 1948 عقب توقيع اتفاقيات ميونيخ من قبل سلفه «نفيل شامبرلين» ونظيره الفرنسى ادوارد دالادييه عندما أعلن الأسد البريطانى «كان عليكم أن تختاروا بين فقدان الشرف والحرب. لقد اخترتم العار... فسوف تأتيكم الحرب».... ويرى المحللون أن مثلما ترك أهل ميونيخ التشيك فى أيادى هتلر فالغرب يتخلى حاليا عن أكراد سوريا بعد أن خدموا بامتياز معركة أوروبا ضد الدولة الإسلامية التى ساندها أردوغان الحليف الخاطئ لأوروبا!
إن الغرب حتى إذا كان لم يعط موافقته على تلك العملية التى وصفها بأنها تصفية عرقية إلا أنه قد قام بخيانة عظمى كما أعلن المحلل السياسى فرانز أوليفييه جيسبير عندما ركع أمام السلطان المزمع الجديد للامبراطورية العثمانية الذى يتصور أنه مخول بتصفية أكراد سوريا!
وينتقد خبراء السياسة الخارجية موقف أحد قادة أوروبا وقع فى زلة استعمال أسلوب أردوغان الغامض ولغته غير المفهومة عندما قال «إن الأكراد قد يشكلون طاقة إرهابية تهدد الحدود التركية» ولكنه غير موقفه حين اتضح من مجريات الأحداث واستياء أصحاب الضمير أن الأكراد يحاولون فقط ممارسة حقهم فى الحياة والذى تعتبره السلطة التركية جريمة!إن أردوغان محاصر ذهنيا بوسواس القومية المفرطة ولا يقبل التقارب الجغرافى والثقافى لأكراد سوريا مع أكراد تركيا الذين يمثلون نحو 18% من سكان بلاده ولذلك فهو يطردهم من أراضيهم ويدفعهم شيئا فشيئا بعيدا.. ثم أبعد... وعندما يحاصرون فى آخر حصونهم ماذا سوف يفعل فى مئات الآلاف منهم، الذين فى الساعة الحالية يهربون من الجيش التركى فى صفوف جماعية طويلة وفى حالة فزع ورعب مثلما شاهدنهم فى الاعلام المرئى والقنوات التليفزيونية المختلفة. إن أردوغان أصبح ظاهرة تخيف أصحاب الآراء السديدة وكثيرا من خبراء الاستراتيجية. إن تركيا تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية تعنى للولايات المتحدة الكثير وتوليها أضخم الاهتمام ومن هنا التواءات وتشنجات أوباما ثم ترامب حول الملف الكردي!... كما أن تركيا تقبض من الاتحاد الأوروبى المليارات لتستبقى على أراضيها فيض اللاجئين السوريين الذين تهدد بتسريحهم فى أى لحظة!
ويتوقع المراقبون أن تركيا لن تقدم على تغيير موقفها واصلاح الأمور وتنقية الأجواء.. وسوف يتوافر لديها قريبا وسيلة ضغط ثالثة لا يراها قادة الغرب على المدى القصير وقد يسهم عدم إدراكهم وترددهم فى دفع أردوغان إلى اقرارها واللجوء إليها، فعندما سوف يستبدل جيشه فى جميع أنحاء سوريا بالإسلاميين بدلا من الأكراد كما بدأ بالفعل سوف يزرع قطيعا من الجهاديين سينشرون الممارسات الارهابية والاغتيالات والفوضى فى أوروبا نفسها كما يحذر أصحاب الرؤى الواضحة.. وفى هذا الصدد اتذكر الراحلة الكاتبة الصحفية درية عونى المتخصصة فى القضية الكردية والتى تركت وراءها علما غزيرا ودراية واسعة بهذا الملف الشائك يجب أن نستفيد به.. إن الغرب قد برهن عن موقفه المخزى منذ قرن عندما أقدمت تركيا على إبادة الأرمن وعندما يتلعثم التاريخ فيجب أن نلفظه أو نستخلص منه الدروس كما لابد أن تقف أوروبا بل العالم العربى والمجتمع الدولى بحسم ضد مذابح الأكراد!
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع