بقلم : عائشة عبدالغفار
ببطء وإنما بثقة تحرك روسيا قطع الشطرنج فى أفريقيا، وتؤكد بذلك طموحات سيد الكرملين بوتين، فبعد غياب طويل فإن الدبلوماسية الروسية تراهن على هذه القارة وتعدها حاليا من أولوياتها فى السنوات المقبلة، وتمثل أيضا استثماراً جديداً.. والدليل على ذلك أن عدداً من الزيارات ذات الأهمية الاستراتيجية تجسد أحيانا اهتمام روسيا بالعالم العربى وأحيانا أخرى إرادة تثبيت أقدامها فى القارة السوداء، ويرى المراقبون ان اللقاءات الثمانية التى تمت بين فلاديمير بوتين والرئيس عبدالفتاح السيسى تكتسب أهمية كبيرة فإلى جانب دعم العلاقات الثنائية على المستوى السياسى والاقتصادى والثقافى والتنسيق الفعال فى المحافل الدولية، فخبراء الشئون الخارجية مثل «كريستيان ماكاريون» يرون فى ذلك التقارب محاولات حثيثة لإعادة توازن يستهدف التقليل النسبى من التأثير الأمريكى فى مصر: فعقب حكم محمد مرسى والإخوان المسلمين القصير كانت واشنطتون تدين عودة العسكريين إلى السلطة. ومن ناحية أخرى فإن فلاديمير بوتين توجه إلى أربع دول عربية فى شمال إفريقيا، كما زار رئيس الوزراء ديميترى ميدفيديف الجزائر والرباط فى أكتوبر الماضى بعد انقطاع طويل فى الزيارات منذ عام 1977.
أما فى جنوب الصحراء فيرى خبراء الاستراتيجية ان حسابات روسيا مختلفة تماما، بل انها واعدة فهى تستهدف فى المقام الأول تدعيم التبادلات مع جنوب افريقيا الدولة الافريقية الوحيدة العضو فى مجموعة البريكس (Brics) التى تضم روسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.. ولذلك زار بوتين مرتين هذا البلد (وهو البلد الوحيد الذى زاره فى إفريقيا السوداء)
وكان ميدفيديف قد فسح الطريق خلال رئاسته عندما زار نيجيريا وانجولا وناميبيا.. لاشك ان موسكو تريد تأهيل وجودها فى افريقيا بطريقة أعمق من خلال مؤسساتها ومنشآتها الصناعية العملاقة التى تمتلك شبكة واسعة وتستهدف مشاريع صناعية كبرى فى مجالات المناجم والغاز والطاقة النووية ذات الأهداف المدنية والسكك الحديدية والسلاح إلخ.. كما ان الاستفادة والاستثمار من ثروة اليورانيوم والبلاتين والماس التى تزخر بها انجولا وزيمبابوى وتنزانيا موضع تقارب واعد ومهم فى مجال التعاون بين روسيا وهذه البلدان.
و رغم وجود خبراء للقارة الإفريقية فى الدائرة الرئاسية الروسية مثل سرجى ايفانوف وايجور سيتشين فان ورقة »كارت« روسيا الافريقية تعانى حاليا من عجز فى المساعدة من أجل التنمية والتعاون..
ولقد وجهت روسيا طلباً لمجلس الأمن باستثناء وإعفاء الحظر على الأسلحة الذى فرض على جمهورية إفريقيا الوسطى من أجل تجهيز وحدتين للجيش هناك وليست صدفة أيضا ان يعيد فلاديمير بوتين إلى الأذهان ـ خلال زيارة الفاكوندية لموسكو ان بلاده قد ألغت 20 مليار دولار من مديونيات الدول الإفريقية ومناسبة أيضا للتوقيع مع كوناكرى اتفاقيات تعاون تستهدف بناء أربعة مستشفيات وعدة حاميات عسكرية.
وفى حين يعلن دونالد ترامب ان الأفارقة حثالة ثم يؤكد فى تغريدة انه لم يقصد.. وفى حين تستمر أمريكا فى مساعيها واصرارها على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس متحدية الرأى العام الدولى والعربى فإن الدبلوماسية الروسية تنفتح على القارة الإفريقية بذكاء وتعلن ان قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل خاطئ، كما ايدت مشروع القرار المصرى فى مجلس الأمن وتؤيد جهود مصر من أجل حل الأزمة الليبية والسورية وتشارك مصر وجهات النظر إزاء القضايا الدولية وتسهم بثلاثين فى المائة من أجل تمويل حقل ظهر للغاز كما وافقت كل من روسيا ومصر على مشروع القرن الحادى والعشرين الذى بمقتضاه سوف تحصل مصر على المفاعل النووى خلال سبع سنوات بشروط قرض ميسرة.. فهل الولايات المتحدة الشريك الاستراتيجى تريد قلب موازين القوى العالمية لمصلحة روسيا ودول أخرى كبرى برغم دبلوماسية مصر الهادئة والمتزنة والمخضرمة التى تؤكد ان اختلاف الرأى مع أمريكا خلاف بين أصدقاء؟.
نقلا عن الاهرام القاهريه