توقيت القاهرة المحلي 08:54:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

برلمان القراء

  مصر اليوم -

برلمان القراء

بقلم - عبد العظيم حماد

جاء الدور على الكاتب ليقدم تعليقه على آراء وتعقيبات القراء، مبتدئا بتحيتهم وشكرهم جميعا، باعتبارهم أعضاء متطوعين فى برلمان شعبى، بمن فى ذلك أولئك الذين يتجاوزون أحيانا أو دائما ضوابط وقيم الحوار، عند اختلاف الآراء، أو زوايا النظر، بدافع من فرط الحماس غالبا، أو فرط الغضب فى أحوال أخرى، فكل ذلك مفهوم، مادام يصدر عن اهتمام مجرد بالشأن العام، ولا يصدر عن تعمد المغالطة والتضليل من أجل الاسترزاق، أو الثرثرة والاستفزاز من أجل الشهرة، على طريقة تحدى الغراب للنسر فى حكايات كليلة ودمنة.

بعد التحية والشكر يتوجب الاعتراف بأن غالبية مساهمات القراء تمثل إضافة إلى الحوار الوطنى، الذى لم يتوقف فى مصر منذ السنوات السابقة على ثورة يناير 2011، لكنها فى الوقت نفسه تقدم أمثلة متجددة لإيجابيات وسلبيات طريقتنا المصرية فى الحوار، كما تقدم عينة لاتجاهات الرأى العام، وبذلك فهى منصة ثرية للرصد والتحليل، سيما والحديث هنا يدور حول تعليقات القراء على كتابات عدد كبير من أصحاب الأقلام فى هذه الصحيفة، وغيرها من الصحف المصرية، عبر فترة مطولة.

بالطبع يتمنى الكاتب (أى كاتب )أن يكون خلوا من السلبيات، التى سوف نتحدث عنها توا، لكننى لا أدعى هذه العصمة لنفسى، على الرغم من اجتهادى للالتزام بالموضوعية والمهنية، قدر ما تطيق الطبيعة البشرية.

يوافقنى زملاء وأصدقاء كثيرون على أن إحدى أخطر آفات الحوار العام فى مصر، وفى عالمنا العربى عموما هى غياب ما يسمى بقوانين الفكر، التى صاغها أرسطو قبل أكثر من 2500 سنة، أو بعبارة أخرى غياب المنهج العلمى عن نسبة لا يستهان بها من المناقشات والمداخلات والمناظرات والتعليقات، فمثلا يشيع فى أحاديثنا خلط بين التوقع المبنى على معطيات موضوعية، أو معلومات مؤكدة، وبين تمنى نتائج بعينها، دون توافر معطياتها، أو معلومات تدل على إمكان حدوثها، لا لشىءإلا لأن هذا ما يريده المتحدث أو الكاتب أو المعلق، ويرفض أن يصدق شيئا غيره، بل يقاوم هذا التصديق.
الأمثلة على هذا التفكير بالتمنى غزيرة وشهيرة، كالادعاء بأن «الانقلاب يترنح»، أو أن مصر ستكون قد الدنيا، أو أن سد النهضة الإثيوبى سينهار لأسباب جيولوجية، أو القول بأن تحويل نهر الكونغو سيوفر لنا أكثر مما سيحجزه السد الإثيوبى من المياه.

كذلك تنعدم عند كثيرين منا القدرة على التفريق بين تفسير الظاهرة، وبين تبريرها، فالتفسير هو تحليل وتبيان الأسباب التى أدت إلى نشوء الظاهرة، والعناصر المكونة لها، أما التبرير فيعنى تسويغ قبول هذه الظاهرة، بوصفها نافعة أو ضرورية أو لأى سبب آخر، التفسير يعنى الفهم، والتبرير يعنى التفهم والتأييد.

كمثال على هذا الخلط المعيب بين التفسير والتبرير افتراض أن الحديث عن ضعف الحركة الحزبية بوصفه سببا لتمكن السلطوية هو تبرير للسلطوية، وتسويغ للرضوخ لها، فى حين أن أصحاب الفكر الصحيح، والفطرة السوية يرون ذلك تبصرة بالأسباب، ودعوة لمعالجة أمراض الحركة الحزبية، وبالتالى فكل من عقب على مجموعة المقالات التى خصصت لبحث تلك الأمراض الحزبية، بأنها تكتيك للإلهاء، وتغاضٍ عما تضمنته المقالات من مقترحات للعلاج فهو متجاوز لقوانين الفكر على طريقة «أين أذنك يا جحا؟»، وذلك إذا أحسن الظن به، وهذا ما أفضله.

وليس الخلط بين الممكن، وبين المحتمل، والخلط بين الحتمى وبين المستحيل بأقل مجافاة للمنهج العلمى مما سبق، وقديما قيل لا تضيع الممكن فى طلب المستحيل، ونضيف نحن أنه ليس من الحكمة إهدار الممكن فى انتظار المحتمل، ذلك أنك تستطيع رصد والتحكم فى أغلب معطيات هذا الذى يمكن حدوثه، أما المحتمل فإن أغلب معطياته لا تكون قابلة للرصد، والتأثير فيها.

على سبيل المثال كم تعددت الدعوات المتسرعة للتظاهر دون أدنى استجابة جماهيرية؟ ولنقارن هذه الحالة التى تراهن على المحتمل بحالة يكون التصرف فيها على أساس الممكن، مثل عقد مؤتمر عام مفتوح للجماهير لحزب سياسى كبير ومنضبط وواعد، وذلك لمناقشة القضية التى وجهت الدعوة للتظاهر بسببها دون استجابة، فلماذا إذن يغضب بعض أصدقائنا القراء من دعوتنا للسياسيين بعدم إهدار الممكن انتظارا للمحتمل ؟! ولماذا يرفض قراء آخرون الدعوة إلى البدء فى بناء التراكم التنظيمى لتحسين أو تغيير موازين القوة السياسية فى المجتمع انتظارا «للثورة التالية»، فى طبعة سياسية من عقيدة المهدى المنتظر الدينية؟!

أما الأكثر شيوعا بين كل شرائح المجتمع المصرى من الاختلالات المنهجية فى المناقشات العامة، وفى الحوارات الخاصة فهو الرد على قضية، أو نقطة فى قضية بالحديث عن قضية أونقطة أخرى، ليست هى المطروحة للمناقشة، مثلا حدث كثيرا أن رد متخصصون، وكتاب وقراء على الانتقادات المحددة للسياسة المصرية الحالية نحو قضية السد الإثيوبى قائلين: سوف نتوسع فى مشروعات تحلية المياه، أو زاعمين أن مصر تعوم على محيطات من المياه الجوفية، بل هناك من قال إن ثورة يناير هى التى مكنت إثيوبيا من الشروع فى بناء السد، وهناك من حمل المؤتمر التليفزيونى للرئيس الإخوانى كامل المسئولية والجريرة حتى يومنا هذا، ومع أن بعض هذه النقاط قد تكون صحيحة فى ذاتها فإنها ليست النقطة المطروحة للمناقشة.

مثال آخر أكثر طزاجة فحين طالب لاعب كرة القدم محمد صلاح بالتطبيق الصارم لقواعد الانضباط الإدارية المعمول بها فى كل دول العالم، لم يجد اتحاد الكرة المصرى ما يرد به سوى اتهام محامى اللاعب بمحاولة الإيقاع بينه وبين وطنه، متجاهلا القضية أو النقطة الأصلية.

فى رأينا أن السبب الرئيسى لهذه الاختلالات والمغالطات المنهجية ليس نفسيا أو عقليا محضا، ولكن الأسباب تأتى من تصور المصلحة الفردية أو الفئوية أو الطبقية، ومن حالة الاستقطاب الأيديولوجى والسياسى الحادة التى قسمت المجتمع، والرأى العام إلى خنادق متحاربة بالكلمات، أكثر من كونها، أو بدلا من أن تكون جماعات متحاورة على أسس مشتركة، تقود إلى الفهم والتفاهم، والى تحديد أوجه الاتفاق والاختلاف، وصولا إلى الكلمة السواء التى تتوافق حولها الأغلبية، والتى بدونها لا يقوم مجتمع ولا دولة بالمعنى الصحيح للكلمتين، والمدهش والمحزن فى آن واحد أن حروب الخنادق الكلامية هذه لا تدور رحاها حول الحاضر أو المستقبل، أو حتى الماضى القريب، بل يمتد لهيبها إلى كل مكونات وفصول وشخصيات تاريخنا المصرى، والإسلامى الطويلين، فالفريق الرافض لعهود يوليو 1952 يكاد يقدس العهد الملكى، بغض النظر عن سفه الخديوى إسماعيل، الذى أغرق البلاد فى الديون، وأغرق المواطنين فى البؤس، وبغض النظر عن خيانة توفيق، ورجعية الملك فؤاد، وكراهيته للحكم الدستورى وعبث وعدمية الملك فاروق، أما دراويش يوليو 1952، وبخاصة الناصريون المتطرفون فيشوهون كل شىء فى تلك الأحقاب، بما فى ذلك ثورة 1919، ويكتئبون لمديح سعد زغلول ومصطفى النحاس، وطلعت حرب.

وبالطبع فإن ما بين الإخوان والناصريين ألعنُ مما قال مالك فى الخمر، وكذلك ما بين الساداتيين والناصريين، وما بين مؤيدى ثورة يناير وبين منتفعى حكم مبارك، ناهيك بالطبع عن ما بعد سقوط حكم الإخوان، ثم إقصاء كل شركاء 30 يونيو من الحياة السياسية.

لقد بلغت حدة الاستقطاب أن أحد الناصريين اتهمنى بأننى عميل للموساد، لأنى لم أعترف بأن السادات خائن، حين كتبت عن ما استمر معنا من خطايا الرجل، فى حين أن مدافعا عن السادات نفى مسئوليته عن عودة التطرف الدينى المسلح!

استمرارا لحرب الخنادق هذه فالكاتب متهم، أو مقصر، أو متهرب، إذا لم يبد رأيا فى كل حدث، وكل شخص، وكل قول، علما بأن لكل كاتب أولوياته، وأن الصمت أحيانا يكون رأيا أبلغ من الكتابة، وأن الكاتب المحترف ليس محرر منشورات سياسية.

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

برلمان القراء برلمان القراء



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon