فى السباق الذى تسارعت وتيرته منذ بداية الأسبوع الماضى بين فرص الحل السلمى وبين فرص الحرب بسبب الصراع الاسرائيلى /الأمريكى ــ الإيرانى، لم تعد احتمالات الانفجار العسكرى هى الأقل ترجيحا، كما كان الحال طيلة السنوات الماضية، ففى أحسن الأحوال تبقى الكفتان متعادلتين.
إلى جانب العرض الدرامى الذى قدمه بنيامين نيتنياهو رئيس وزراء إسرائيل من فناء وزارة دفاع بلاده على الهواء أمام العالم كله، لمحتويات مائة ألف وثيقة، سطت عليها المخابرات الاسرائيلية من مخبئها السرى فى طهران فى مارس الماضى، وتثبت كلها النية والخطة الايرانية لإنتاج رءوس نووية، وهو سر ذائع، وإلا لما كانت هناك حاجة من الأصل لاتفاق الدول الكبرى مع إيران على وقف تخصيب اليورانيوم بتركيز مرتفع... إلى جانب ذلك العرض الدرامى من نيتنياهو، اعترفت حكومته ضمنا بأن طائراتها هى التى قصفت قاعدة حماة الجوية السورية فى بداية الأسبوع، وأن الغارة استهدفت ما لا يقل عن مائتى صاروخ إيرانى الصنع خزنت فى هذه القاعدة، وأن معظم ضحايا العملية هم من العسكريين الإيرانيين.
غير أنه كان لهذه الغارة مغزى آخر أكثر أهمية، وهو تجربة طراز جديد من القنابل، إذ تحدثت مصادر إسرائيلية عن هزة أرضية بلغت 6ر2 على مقياس ريختر سببها الانفجار، وبينما قالت هذه المصادر إنه من المحتمل أن تكون هذه القوة التفجيرية الهائلة راجعة إلى ضخامة كمية الصواريخ الإيرانية المستهدفة، فإن مصادر أخرى عربية وأوروبية تتحدث عن متفجرات نووية «تكتيكية» استخدمتها إسرائيل فى عملية حماة، على سبيل التجربة، تمهيدا لاستخدامها ضد المنشآت النووية فى الداخل الإيرانى، المقامة أصلا على أعماق بعيدة تحت الأرض فى مناطق جبلية، وكذلك ضد ترسانة حزب الله اللبنانى من قواعد ومصانع الصواريخ المقامة بدورها على أعماق بعيدة تحت سطح الأرض.
يتوازى مع ذلك أن نيتنياهو حصل منذ أيام على ما فشل فى الحصول عليه من الكنيست عدة مرات من قبل، وهو إصدار قانون يخوله سلطة إصدار قرار بخوض حرب واسعة عند نشوء «موقف حرج أو متطرف»، وذلك بالتشاور مع وزير دفاعه فقط، ودون حاجة لموافقة اللجنة الأمنية الوزارية، أو ما يسمى بمجلس وزراء الحرب المصغر، أو حتى التشاور مع أعضائه، وكانت محاولتان بهذا المضمون قد رفضتا من لجان الكنيست من قبل فى القراءة الأولى، أى إنهما لم تصلا لمرحلة العرض للمناقشة والتصويت على البرلمان الاسرائيلى بكامل هيئته.
جنبا إلى جنب مع هذه التطورات الاسرائيلية المحضة، فقد صدق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على ذلك العرض الدرامى «الحى» لرئيس الوزراء الاسرائيلى، وتفاخر بأن هذا العرض يثبت أنه ــ أى ترامب ــ على حق فى موقفه الرافض للاتفاق النووى الدولى مع إيران، وبالطبع فقد كانت واشنطن قد حصلت من إسرائيل على نسخة من الوثائق الإيرانية المسروقة، والتى تعود إلى ما قبل الاتفاق مع الدول الكبرى! والمغزى أن القرار الرئاسى الأمريكى المنتظر يوم 12 مايو الحالى حول الانسحاب من ذلك الاتفاق، أو الانسحاب منه، سيكون بالانسحاب دون ذرة من شك، بما يعنى إزالة آخر عقبة رسمية، ولو كانت شكلية، أمام الموافقة الأمريكية لإسرائيل على ضرب إيران، بل والمساعدة على نجاح هذه الضربة، أو المشاركة فيها.
أما من ناحية الطرف الآخر أى إيران ومع الأخذ فى الاعتبار الحدة فى ردود فعلها الرسمية على تهديدات ترامب بالانسحاب من الاتفاق، حيث هددت بدورها بإلغائه كلية، والشروع فى تخصيب اليورانيوم بنسب عالية التركيز، ومع الأخذ فى الاعتبار الحاجة إلى انتظار نتائج زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لطهران، إلا أننا يجب أن نأخذ فى اعتبارنا أيضا مراوغة الجانب الايرانى فى الاعتراف بتعرضه لضربات اسرائيلية متوالية على الأرض السورية، بل ونفيه سقوط ضحايا إيرانيين من جرائها، وحسب التقديرات المتداولة فى إسرائيل نفسها، فليست هذه المراوغة تهربا من المواجهة، ولكنها تكتيك لتأجيل «الانتقام الإيرانى» إلى ما بعد يوم السادس من مايو، موعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية، التى يخوضها حزب الله، والذى تعول عليه طهران كثيرا فى مواجهتها المنتظرة مع إسرائيل سواء فى العمق الايرانى، أو على الأراضى السورية، أو على الأراضى اللبنانية نفسها.
مساء الثلاثاء الماضىى كان السباق بين الحرب والسلام فى الشرق الأوسط والخليج فى ضوء المعطيات السابق شرحها موضوعا لحوار شاركت فيه مع أربعة صحفيين متخصصين فى شئون المنطقة، ويعملون فى مؤسسة عالمية كبرى، اثنان منهم بريطانيان، والثالث فلسطينى الأصل، والرابعة مصرية، وكانت تقديراتهم أن الأطراف سوف تظل تدفع الموقف نحو حافة الهاوية، التى سيقف الجميع عليها مطولا، دون الوقوع فيها.
أما الحيثيات فهى أن إيران ليست العراق، وهذه صياغة كاتب هذه السطور، وليست صياغة أحد من الضيوف، إذ لا تستطيع إسرائيل وحدها شن عملية غزو تؤدى لتغيير النظام الايرانى، وليس من المتصور أن تفعل الولايات المتحدة ذلك، بعد درس الفشل الناجم عن غزو العراق، والذى وصفه ترامب نفسه بأنه «غلطة الشاطر»، والمقصود بالشاطر هنا هو الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، ومن ثم فالمتاح هو ضربة مركزة ومحدودة للبرنامج النووى الايرانى، إلا أن الموانع هنا كثيرة، ومنها بالطبع الخسائر البيئية والبشرية بالغة الضخامة فى منطقة الخليج كلها، بما لا يطيقه العالم، لكن أهم الموانع هو الرادع الذى يشكله حزب الله لاسرائيل، والرادع الذى يمثله حلفاء إيران الشيعة فى العراق للولايات المتحدة.
وعندما عقبت على هذه النقطة قائلا: إنه من الجائز أن تنتصر اسرائيل فى مواجهة شاملة مع حزب الله، خاصة إذا ساعدها خصوم الحزب فى الداخل اللبنانى، وهم كثر، ولكنها ستدفع ثمنا باهظا لذلك النصر من أرواح جنودها، وسكانها، ومن مرافقها الاقتصادية والخدمية، رد أحد الضيوف، وكان قد أمضى سنوات طويلة فى العمل الصحفى فى بيروت قائلا: «إنه يشك فى إمكان انتصار اسرائيل على حزب الله، وأما إذا ارتكب أحد من اللبنانيين خطيئة مساندة غزو برى اسرائيلى جديد للبنان، فهذا معناه أنه لن يبقى على قيد الحياة أحد من المشتبه فى تحالفهم مع اسرائيل، أو من يشتم فيه رائحة تمنى انتصارها على حزب الله»، وأضاف: «بالقطع ستكون هذه مأساة لا يتمناها أحد، ولا يطيقها ضمير، ولكن هذا ما سيحدث».
كانت هذه العبارات الأخيرة هى السبب فى عدم التصريح بأسماء الصحفيين الأربعة الذين دار الحوار معهم بناء على اتفاق معهم.
يبقى أن نعترف أن التحليل السياسى ليس تجربة معملية مؤكدة النتائج، وأن الحرب بطريق الخطأ غير المقصود، أو الخطأ فى الحسابات واردة، كما يبقى واردا أن يكون أحد الأطراف قد استطاع تطوير تكنولوجيا سرية تحقق المفاجأة، وتشل رد فعل الخصم حتى تفوت فرصة الانتقام المدمر، وقبل كل ذلك وبعده يبقى أن أطرافا مهمة فى المنطقة تحرض على الحرب ضد إيران، وتدفع نحوها بقوة، فى حين أن الصين واليابان وكوريا الجنوبية تدفع نحو حل سلمى لأزمة البرنامج النووى الكورى الشمالى.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع