توقيت القاهرة المحلي 09:08:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لسنا جاهزين.. إذن متى؟!

  مصر اليوم -

لسنا جاهزين إذن متى

بقلم : عبد العظيم حماد

 بعيدا عن التفكير بالتمنى، أو بالاستقطاب، يجب الاعتراف بوجاهة ومنطقية التفسير الذى قدمه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حديثه الأخير فى فيلم «شعب ورئيس»، لانعدام المنافسة الحقيقية فى انتخابات رئاسة الجمهورية، التى انتهت أمس الأول هذا التفسير ــ كما جاء على لسان الرئيس ــ هو أننا لسنا جاهزين بعد.

فليس صحيحا فى اعتقادى أن أيا من الفريق أحمد شفيق، أو الفريق سامى عنان كان يمثل فرصة حقيقية للمنافسة على الرئاسة، بالمعنى المتعارف عليه، أى المنافسة بين تيارات أو تنظيمات أو رؤى شاملة، بل إن أفضل ما كان يمكن أن يمثله كل منهما هو المنافسة بين رؤى فردية من داخل تيار واحد فقط، هو تيار الدولة العميقة، أما أسوأ ما كان يمكن أن يمثله شفيق وعنان فهو التناحر داخل نفس التيار، مدفوعا بالطموحات، والمرارات الشخصية، وصراعات الأجيال، وأما الأكثر دقة فهو أن الرجلين كانا يمثلان مزيجا فيه الكثير من «الشخصى»، والقليل من «الموضوعى» من نفس المنبع، إلا أنهما فى حقيقة الأمر لم يكونا يملكان أية مصادر يعتد بها للقوة السياسية من داخل ذلك التيار، أو من مؤسسة الدولة.

وأما المرشحون الذين كانوا محتملين من خارج الدولة العميقة، فلم يكونوا يملكون فرصة معقولة للترشح، فضلا عن المنافسة، والقول بغير ذلك هو خداع للنفس، وتفكير بالتمنى، أو بالاستقطاب والمكايدة.

نلمس فى استخدام الرئيس السيسى لمصطلح «عدم الجاهزية بعد للمنافسة» تقدما نسبيا فى نظرة الدولة العميقة لقضية جدارة الشعب المصرى بالحكم الديمقراطى، مقارنة بالرسالة الموجهة دائما من المتحدثين باسم هذه الدولة لترسيخ عقيدة أن هذا الشعب لا يصلح للديمقراطية، وأن الديمقراطية لا تصلح له، أو هذا ما نأمله، والفارق واضح بين الرأيين، ففى حالة عدم الجاهزية بعد تكون الأسباب ظرفية، ومن ثم مؤقتة، أى تزول بزوال مسبباتها، وبتوافر شروط التحول الديمقراطى، أما فى حالة عدم الصلاحية من الأصل فإن الأسباب تكون أبدية، أو بمعنى آخر حتمية تاريخية لا فكاك منها.

دون استغراق فى التنظير، ودون انسياق أعمى وراء تبريرات تجدد الميول السلطوية فى عديد من الدول العريقة فى تقاليد الديمقراطية، فإن أسطورة عدم صلاحية شعوب بعينها للحكم الديمقراطى قد تكرر سقوطها فى جميع أنحاء العالم على اختلاف الثقافات والتقاليد والعقائد والتكوينات الاجتماعية، وعليه فلا حجية يعتد بها لمثل هذه الأسطورة، وعليه أيضا فإن التركيز يجب أن ينصبّ على أسباب عدم الجاهزية للتحول الديمقراطى فى الحالة المصرية، وعلى البحث عن الشروط التى تتيح هذه الجاهزية، والعمل على تحقيق تلك الشروط.

بمقارنة نتائج ثورة يناير 2011، بنتائج ثورة 1919 (التى تحل ذكراها المئوية فى العام المقبل) من زاوية دفع التطور الديمقراطى لنظام الحكم، سوف نكتشف أن السبب الرئيسى لإنجازات ثورة 1919 أن المجتمع كان قد قوى تنظيميا، بما يكفى لإفراز قيادات للثورة، على جميع المستويات، وبما يكفى لموازنة الدولة العميقة، وسلطة الاحتلال معا، وكثيرا ما تفوقت قوة المجتمع على قوة الرجعية فى الدولة.

صحيح أن المجتمع المصرى لم يحقق انتصارا كاملا ونهائيا على الرجعية والاحتلال كنتيجة لثورة 1919، ولكنه قطع شوطا بعيدا فى فرض نفسه كطرف أصيل وفاعل ولا يمكن تجاهله فى معادلة الحكم والسياسة.

أما أسباب قوة المجتمع قبيل وفى أثناء ثورة 1919، وبعدها، فترجع إلى إيمان النخبة بفكرة التنظيم، والتى ثبت جدواها فى استيعاب صدمة الاحتلال البريطانى، ابتداء من الجمعيات الأهلية الخيرية للمدارس والمستشفيات، وتطور النوادى الفئوية كنادى خريجى المدارس العليا، الذى أمد ثورة 1919 بقياداتها الوسيطة، وصولا إلى الأحزاب السياسية، والجامعة الأهلية وبنك مصر، بل وحتى نادى الموسيقى الشرقية والنوادى الرياضية، وخلافه، فضلا عن النقابات المهنية والعمالية، والغرف التجارية واتحاد الصناعات، وكلها نشأت وتطورت بطريقة الانبثاق من المجتمع تلقائيا، وليس بالاصطناع السلطوى.

لا خلاف فيما نظن على أن هذه لم تكن الحال فى ثورة يناير 2011، ولم تكن تلك إلا إحدى نتائج النظام السياسى، الذى أقامه ضباط يوليو 1952، وهو بطبيعته نظام استبدادى اقصائى احتكارى فى السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر، يفرض الاستقرار الشكلى من أعلى، فى حين يموج المجتمع والنظام نفسه بالصراعات على كل المستويات، وسط حالة تعتيم وإنكار، ورفض مطلق للمساءلة والرقابة، وإحالة الفشل على المؤامرات الخارجية.

من الطبيعى إذن الا تتخلق فى مثل هذا المجتمع نخبة مدنية قادرة على قيادة الدولة، أو المنافسة على قيادتها، يضاف إلى ذلك أن البيروقراطيين والتكنوقراط من المدنيين المنخرطين فى جهاز هذه الدولة، لم يكونوا يوما ما مؤهلين للمشاركة كأنداد فى القرار السياسى؛ لأنهم يشغلون ويتركون مواقعهم بإرادة أكبر منهم، كما أنهم فى الغالب لا إطلاع لهم، ولا خبرة لديهم بقضايا الأمن القومى والسياسة الخارجية الرئيسية، ومن ثم يصبح منطقيا القول بعدم جاهزية مصر لانتخابات رئاسية تنافسية بالمعنى الصحيح، أى عدم جاهزيتها للتحول اليمقراطى.

لكنها كلها أسباب ظرفية مرتبطة بطبيعة النظام السياسى، وقد قلنا فى فقرة سابقة إن التركيز يجب أن ينصب على إزالة هذه الأسباب، وعلى توفير شروط نجاح التحول الديمقراطى، ولو تدريجيا.

فى مقدمة هذه الشروط، ما سبق أن كتبناه هنا مرارا، وهو الإيمان بالعمل المنظم السلمى من خلال الاحزاب، مع الالتزام بسياسة النفس الطويل، والتركيز على التوافق الاستراتيجى على حساب الخلافات التكتيكية، ومراجعة الاخطاء المتكررة داخل كل حزب، وفى الحركة الحزبية عموما، وفى مقابل ذلك يتعين على الدولة العميقة، قبل أن يكون الأمر بيد غيرها، أن تقتنع بخطورة الاستمرار فى استراتيجية وأد أو إجهاض التنظيمات الديمقراطية المدنية، وسد المنافذ أمامها بالحيل التشريعية، والوسائل الإدارية، والملاحقة الأمنية.

والحقيقة أن الحساسية المفرطة تجاه هذه التنظيمات ليس لها أى مبرر على الاطلاق، إذ لا يتوقع إلا ساذج أن تشارك القوى المدنية بنصيب كبير فى السلطة، أو فى القرار السياسى، فى ظل أفضل شروط المنافسة الحرة.. حاليا، وفى الأجل الطويل المنظور، ولكن هذه المشاركة المحدودة سوف تحقق مكاسب لا حصر لها لجميع الأطراف، إذ سوف تنكسر حدة الاستقطاب، وسوف تتحلى المعارضة بشعور أقوى بالاعتبارات والحسابات الواقعية للسلطة، وسوف تكتسب خبرات عملية تؤهلها لدرجات أعلى من المسئوليات، كما ستكسب الدولة العميقة رديفا مؤثرا فى مواجهة التطرف والإرهاب، والأزمات الإقليمية والدولية.

بافتراض أن التيارات والقوة السياسية المدنية تعرف هذه الحدود القصوى لدورها، وهى بالفعل كذلك، فما الذى يدفع الدولة العميقة للتعاون فى توفير شروط الجاهزية للتحول الديمقراطى؟ الإجابة هى تمثل نتائج العهود السابقة من نظام يوليو، والتى لم تسفر إلا عن «شبه أو أشلاء دولة»، والوعى بخطورة الاستمرار فى هذا المسلك، ثم الوعى بأن حجم المشكلات والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بـ100 مليون مصرى أكبر بكثير من أن يواجهها جهاز دولة يعترف بأن مجتمعه غير جاهز، ليس فقط للمنافسات الانتخابية، ولكنه غير جاهز أيضا تعليما وتصنيعا وتحكيما للقانون، وإقرارا بالمسئولية والمساءلة السياسيتين.

نقلاً عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لسنا جاهزين إذن متى لسنا جاهزين إذن متى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon