توقيت القاهرة المحلي 04:58:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أيام الصمت والوجوم

  مصر اليوم -

أيام الصمت والوجوم

بقلم - عبد العظيم حماد

هذا هو التوصيف الأكثر دقة للأيام التى تلت إعلان الفريق سامى عنان نية المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، حتى يوم الاعتداء الأثيم على المستشار هشام جنينة، مرورا بيوم إعلان القبض على الفريق عنان، دون أن يعنى ذلك بالطبع أن كل من وجموا، ثم صمتوا فى مواجهة هذه الأحداث من عموم المصريين – ولا أقول من النخبة المسيسة – كانوا مؤيدين لعنان، ولرهانه، ولرجاله، الذين من بينهم المستشار جنينة، بل إن كثيرين من الصامتين الواجمين هم من مؤيدى الرئيس السيسى بوضوح.

الوجوم الذى ران على الوجوه، والصمت الذى أمسك الألسن فى المقاهى الشعبية، وفى نوادى ومنتديات الطبقة الوسطى، وفى لقاءات المثقفين وفى وسائل النقل، لهما إذن تفسير لا ينبع من حسابات التأييد أو المعارضة.

ربما يكمن بعض التفسير فى الطبيعة المفاجئة لهذه التطورات الدرامية، وربما يكمن جزء آخر منه (أى من التفسير) فى شىء من الخوف من غضب السلطات، ولكن المؤكد أن الجزء الأكبر يتمثل فى شعور قائم على الحدس بالتوجس والاشفاق من المستقبل.

يعلم الكثيرون أن الحدس قد يكون أحيانا مصدرا لا يخطئ للحكم على الأمور، دون حيثيات مفصلة، ونعرف أيضا أن مدرسة فلسفية شهيرة هى مدرسة الفيلسوف الفرنسى هنرى برجسون تعتبر الحدس هو المصدر الأصح لكل معرفة، غير أنى أعرف بصفة شخصية أننى سبق وأن رأيت أياما مماثلة من الصمت والوجوم فى تاريخ مصر القريب جدا، وكان الحدس فيها هو أيضا سيد الموقف.

من تلك الأيام الصباح التالى لاعلان النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب عام 2010، فقد رأيت الذهول نفسه فى العيون، وأمارات الحيرة والتوجس على الوجوه، فى حين عقد الصمت ألسنة الجميع، انتظارا لأن يبدأ أحد الحديث دون جدوى، حتى التقيت بعد سويعات بالصدفة بقطب من أقطاب أمانة جمال مبارك لسياسات الحزب الوطنى فى مكان هادئ وشبه خاص، لأطالع فى وجهه نظرات الذهول نفسها، وأمارات الحيرة والتوجس عينها، إلا أنه كان بيننا قدر من الثقة المتبادلة يكفى لكى يرد على سؤالى عن رأيه فى نتائج الانتخابات قائلا: «إنها كارثة.. إنه لعب عيال.. فكيف تطرد كل المعارضين أو المنافسين إلى الشارع على هذا النحو الفج، فتوحدهم ضدك، وكأنك تقول لهم اضربوا رءوسكم فى الحائط، فنحن ماضون إلى ما تعرفون، وما نعرف.. أى إلى مبايعة جمال مبارك رئيسا؟!». ثم أردف قائلا: «الله وحده يعلم ماذا سيحدث، ولكن حدسى يقول لى إن الدولة العميقة الرافضة لتوريث الحكم لجمال مبارك ستجد الآن البيئة الشعبية والسياسية (المستعدة للحركة) لوأد المشروع فى مهده».

بالطبع لم أختلف مع الرجل، وما كان لى أن أختلف معه ولو على كلمة واحدة مما قال.. و كان ما كان بعد شهرين أو أكثر قليلا، ونشبت ثورة يناير.

يوم آخر من أيام الصمت والوجوم كان نهار إعلان نتيجة جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة عام 2012 بين مرشح الإخوان محمد مرسى، وبين الفريق أحمد شفيق، وكما نتذكر فقد طال انتظار إعلان هذه النتيجة قبل يوم إعلانها، بل وطال الانتظار فى ذلك اليوم نفسه، وما إن أعلن فوز مرسى حتى تحول الترقب إلى ذهول.. فوجوم.. فصمت، فمغادرة المقاعد دون هدف محدد حيث كنت أتابع مع أصدقاء ضمن متابعين كثيرين، وحدث مثل ذلك فى بقية المقاهى والنوادى وأماكن العمل والمنازل، وفقا لنتائج استطلاعات سريعة أجريتها لنفسى هاتفيا بدافع الفضول الصحفى.

كان الصمت الواجم، أو الوجوم الصامت هذه المرة يعود إلى تمزق ضمير المصريين (غير المنتمين للإخوان وحلفائهم) ما بين التهديد بإحراق البلد إذا أعلن فوز شفيق لحرمان المرشح الإخوانى مما قالوا إنه فوز مستحق، وما بين الحدس بالفشل الذريع المتوقع للإخوان، والخوف من أن يفرضوا بقوة السلطة تغييرات عميقة فى أساليب حياة المواطنين، وتوقع نشوب صراع سريع بينهم، وبين القوى المدنية، والدولة العميقة..
مرة أخرى لم يكذب الحدس العام.. وجرى ما جرى وصولا إلى يومى 30 يونيو، و3 يوليو عام 2013، وما بعدهما من نيران ودماء، وصولا إلى حالة الاحتكار السلطوى الاقصائى الحالية.

فى قصة عنان وجنينة فإن أسباب الصمت والوجوم مختلفةو ملتبسة، وكذلك فإن الحدس مضطرب.

فهناك أولا اشفاق عام من أثار سلبية محتملة للاستقطاب السياسى بين رئيس فى المنصب ينتمى إلى القوات المسلحة، وبين منافس له ينتمى هو الآخر إليها ــ ووصل إلى أعلى مناصبها ــ على وحدة المؤسسة نفسها، ولنقرر بصراحة هنا إن وحدة القوات المسلحة هى أغلى وأقوى أرصدة المصريين الوطنية، وإن أى خطر على هذه الوحدة هو أحرم الحرام فى الضمير الوطنى المصرى الجمعى، ولا شك أن منافسة انتخابية شرسة بين رجلين من هذا الطراز كان من شأنها أن تفتح ملفات، وتقحم موضوعات قد تمس تلك الوحدة المقدسة، ولذلك كان تدارك هذا الخطر هو أحد أهم نقاط بيان القوات المسلحة برفض ترشح عنان.

لكن ذلك، ورغم نبل الهدف، وأهميته فى هذه اللحظة من تاريخ مصر لا ينفى أن الشعور العام أصيب بصدمة من جراء ما حدث، ثم تضاعفت الصدمة، وتحولت إلى ذهول ثم وجوم وصمت من الاعتداء على المستشار جنينة بالطريقة التى جرى بها، وبالتكييف الرسمى الأولى للجريمة، إذ هنا تزيُد لا لزوم له فى توقع الخطر من الرجل، فضلا عن فجاجة العملية، بما لايليق بأية دولة من دول العالم الأحدث عمرا، والأقل عراقة، فما بالنا بمصر.

يبقى وجه آخر وأخير للالتباس فى قصة عنان وجنينة كيوم من أيام الصمت والوجوم، وهو أن رهانهما السياسى للترشح لمنصب رئيس الجمهورية ونائبه هو فى الأصل تعبير عن استحقاق تاريخى آن لمصر أن تحصل عليه، وهو انتخابات رئاسية مفتوحة للمنافسة الحرة الشريفة بين البرامج والأولويات، بحيث لا يبقى هذا المنصب الأهم امتيازا أبديا غير منازع لمن وصل إليه، ولو بإجماع شعبى، وهذا الاستحقاق ليس نظريا بقدر ما هو مطلب لتيار عريض من القوى السياسية والرأى العام، بل إنه مطلب كثيرا ما شعر النظام السياسى السلطوى نفسه بإلحاحه، ومن دلائل ذلك حرص الرئيس السادات فى بداية حكمه على تحديد الفترات الرئاسية بفترتين فقط فى دستور 1971، قبل أن ينقلب هو نفسه ويعدل الدستور، ومن ذلك أيضا تعهد حسنى مبارك بأن لا يبقى فى الحكم سوى مدتين قبل أن يحنث بوعده، وكذلك جميع النصوص الدستورية التالية لثورة يناير حول مدد الرئاسة، باعتبار أن التداول السلمى للسلطة كان أحد أهم محركات ومطالب تلك الثورة.

لذا فإن صمت ووجوم عموم المصريين كرد فعل أولى على كل فصول قصة عنان
وجنينة يكمن وراءهما أيضا حدس بأن الأوضاع ليست على ما يرام، وأننا لم نصل بعد إلى الصيغة القابلة للاستمرار فى الحكم والسياسة، ومن ثم فهناك ما يدعو للقلق، حتى وإن لم يعرفوه على وجه الدقة واليقين.

لكن ما نعرفه نحن ويعرفه كثيرون غيرنا أنه فى الوقت الذى يجب فيه الحرص.. كل الحرص على وحدة قواتنا المسلحة، فإن ذلك لا يعنى بالضرورة مصادرة فرص التطور السياسى السلمى نحو الأفضل حقوقيا وديمقراطيا وتنمية واستقرارا حقيقيا.


نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيام الصمت والوجوم أيام الصمت والوجوم



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon