توقيت القاهرة المحلي 08:55:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السياسة.. والسلاح فى سيناء

  مصر اليوم -

السياسة والسلاح فى سيناء

بقلم - عبد العظيم حماد

هل كان أكثر المصريين حذرا أو تشاؤما يوم 3 يوليوعام 2013 يتوقع هذا المشهد المحزن والمخجل عند حلول موعد ثانى انتخابات رئاسية، بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين؟!

نقر ونعترف أن الأغلبية الساحقة، من كل التيارات السياسية والفكرية كانت متفائلة إلى أبعد الحدود، ولم يكن يوازى هذا التفاؤل سوى مثيله يوم 11 فبراير 2011، حين تنحى حسنى مبارك عن السلطة، أما الحذرون والمتشائمون فلم يأبه بهم أحد يومئذ، ومع ذلك، فمن المؤكد أنه لم يكن بينهم من خطر بباله، أو فى أسوأ كوابيسه المشهد الذى نعيشه الآن.

هذه الإجابة قد تفسر ــ لكنها يقينا لا تبرر ــ ذلك الموقف المخجل الآخر، المرفوض جملة وتفصيلا، والمتمثل فى التردد فى تأييد العملية العسكرية الموسعة الجارية الآن فى سيناء للقضاء على البؤر الإرهابية هناك، وهو موقف مرفوض مهما تكن الذرائع التى يتعلل بها هؤلاء المترددون، مثل الادعاء بأنها عملية إلهاء عما يحدث فى سياق الانتخابات الرئاسية من تجاوزات صارخة، أو القول بأنها تهدف إلى تفريغ مدن شمال سيناء، لأغراض غير تلك المعلنة، وكأنه لم تحدث عمليات إرهابية ضخمة فى المنطقة، أو كأنه لا يوجد تنظيم متطرف ومسلح يسمى نفسه ولاية سيناء، أو ثالثا وكأنه ليس من أوجب واجبات الدولة المصرية أن تحارب الإرهاب، بكل قوة حتى القضاء المبرم عليه بغض النظر عن أية ملابسات سياسية ظرفية، أو رابعا وكأن من يقاتلون الإرهابيين ليسوا إخوانا لنا أو أبناء يؤدون مهمتهم الأولى والأصلية فى حماية التراب الوطنى.

لكن، وعلى الرغم من رفضنا لتلك الذرائع وغيرها، فعلينا أن نتساءل: كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الانقسام حول الحرب ضد الإرهاب؟ وهذا مؤشر ــ لو تعلمون ــ خطير،وهكذا نعود إلى السؤال الذى بدأنا به.

الإجابة الإجمالية يمكن تلخيصها فى كلمتين هما الإقصاء والغموض.. الإقصاء الذى يؤدى إلى خسارة مؤيدين، والغموض الذى يزرع الشكوك.

فى التفاصيل، فقد اندفع النظام السياسى المنبثق عن خريطة الطريق ليوم 3 يوليو 2013 إلى عملية إقصاء متسارعة لكل الشركاء، الواحد تلو الآخر، حتى وصلنا الآن إلى وضع كل المخالفين فى الرأى أو الرؤية فى سلة واحدة مع الرافضين لهذا النظام من الأصل، فى حين كان التعهد المبذول فى خريطة الطريق، هو عدم إقصاء أى طرف سوى ممارسى العنف والإرهاب، فأصبحت الأحزاب السياسية المدنية حتى العلمانية الصريحة منها تصنف ضمن مناهضى النظام، حتى من قبل اعتراضها على اتفاقية تسليم جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، وإن تكن الوطأة قد اشتدت بعد هذه الاتفاقية بوضوح.

ويؤكد حقيقة أن الإقصاء بدأ قبل أزمة الجزيرتين تلك الطريقة التى صيغت بها قوانين الانتخابات البرلمانية، والاجراءات الإدارية المصاحبة، والتى اتجهت كلها إلى هدف واحد هو الحيلولة دون دخول تيار أو تنظيم ذى رؤية مستقلة إلى مجلس النواب، كما حدث مثلا مع قائمة صحوة مصر، كما يؤكد هذه الحقيقة تأجيل انتخابات المحليات المرة تلو الأخرى، حتى سقطت من الذاكرة الجماعية تماما.

وقد جاء كل ذلك فى سياق متكامل من شمولية متجددة، بدأت بمنع التظاهر، وتوسعت فى الحبس الاحتياطى، وهيمنت على الإعلام املاء وحجبا، وسخرته لتشويه المختلفين مع هذه السياسة أو تلك، أو هذا القرار أو ذاك، وليس فقط المختلفين على النظام نفسه، وعلى شرعيته.

ثم اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، وإذا بالجميع يفاجأون بأن مجرد التفكير فى الترشح لهذه الانتخابات ينظر اليه بوصفة جريمة تستحق التنكيل والتشويه، إلى آخر ما جرى من تفاصيل مأساوية يعلمها الجميع، ولا داعى لاعادة سردها.

وبما أن أية حسابات رشيدة لتقدير الموقف السياسى فى مصر تقطع بما لا يترك مجالا لأى شك أن سلطة ومكانة الرئيس عبدالفتاح السيسى ليست عرضة لأى تهديد جدى فى الانتخابات المقبلة، فكان لابد أن يتساءل الكثيرون لماذا كل هذا؟

بالطبع لم يجد أحد ردودا مقنعة، ومن هنا يصبح الغموض هو سيد الموقف، وتتسارع الأفكار للبحث عن إجابات تملأ الفراغ، بما أنه يستحيل عقلا ألا يكون لهذه الشمولية المتجددة مشروع محدد، قياسا على سوابق التجارب الشمولية فى مصر، وفى غيرها من دول العالم.

أقرب الإجابات، وأكثرها انتشارا هى أن الهدف هو تعديل الدستور بعد الانتخابات الرئاسية الوشيكة لزيادة سنوات الفترة الرئاسية الواحدة إلى 6 سنوات، وإلغاء الحد الأقصى للفترات الرئاسية، وبالطبع فسيكون ذلك أيسر منالا، وأهدأ ضجيجا، وأقل فى التكلفة السياسية حين تسفر هذه الانتخابات عن ابعاد من تبقوا على الساحة السياسية بعد من أبعدوا فى السنوات السابقة، أو على الأقل يستحسن من وجهة النظر هذه ألا تكون الانتخابات فرصة لإعادة إحياء السياسة، وظهور رموز جديدة.

بالقطع يدرك كل من يتابع وسائل الاعلام والصحف الأجنبية، وكذلك من يتابعون شبكة التواصل الاجتماعى أن البعض يتحدثون عن مشروع إقليمى غامض فى التفاصيل تحت العنوان العريض المعلن والمسمى بصفقة القرن، والتى يقال إنها تتضمن تبادلا لأراض بين مصر وإسرائيل فى شبه الجزيرة السيناوية وصحراء النقب، لإقامة وطن فلسطينى بديل، ولكن الموقف المصرى المعلن، ومن مؤسسة الرئاسة نفسها هو رفض الفكرة من حيث المبدأ، وكذلك الموقف الفلسطينى الرسمى الذى تأكد فى الوثيقة الصادرة مؤخرا عن اجتماعات المجلس المركزى لمنظمة التحرير.

ومما يؤكد أن فكرة الوطن الفلسطينى البديل فى سيناء المصرية لم تعد مطروحة بقوة أن المصادر الإسرائيلية التى روجت لها فى الماضى القريب، تتوقع الآن اقتصار مشروع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لصفقة القرن على زيادة النسبة التى تحصل عليها اسرائيل من الضفة الغربية إلى 10% من أراضيها مقابل ما نسبته 6% من مساحة الضفة يحصل عليها الفلسطينيون من الأراضى الإسرائيلية، مع الإقرار بسيادة اسرائيل على القدس بشطريها، علما بأن الجانب الفلسطينى كان قد سبق أن وافق على مبدأ تبادل أراض مع اسرائيل فى حدود نسبة الـ6% من الضفة الغربية، كما تتحدث هذه المصادر نفسها عن أن الضغوط المالية والسياسية العنيفة التى يمارسها البيت الأبيض على الفلسطينيين، إنما تهدف كلها إلى إجبارهم على قبول نسبة الـ10% التى تطلب اسرائيل ضمها رسميا من الضفة، وعلى السيادة على القدس.

بناء على استبعاد شمول صفقة القرن لأجزاء من سيناء للأسباب السابق ذكرها توا، تتبقى إذن الأسباب والدوافع الداخلية الصرفة لسياسات الإقصاء، وتحجيم المشاركة السياسية، والتحكم السلطوى الكامل فى مشهد انتخابات الرئاسة المقبلة، وكما قلنا من قبل، فإنه لم يكن متوقعا ــ وفقا لأى مقياس موضوعى ــ أن تؤدى هذه الانتخابات إلى تغيير حقيقى ــ ولو نسبى ــ فى معادلة الحكم والسياسة فى مصر.. حتى وإن تجاوزت التكتيكات المتبعة توقعات أكثرنا تشاؤما..

لكن هذا الصراع السياسى شىء، ومساندة قواتنا المسلحة فى معركتها ضد الإرهاب شىء ثانٍ.. والانتباه إلى خطورة الانقسام الحاد فى الداخل على نحو ما عبر عن نفسه فى تردد البعض فى تأييد المعركة الحالية ضد الإرهابيين فى سيناء شىء ثالث.. نرجو ألا يطول أمد البحث عن أسبابه وعلاجها حتى لا تضيع البوصلة الوطنية من البعض، وربما من الجميع.

كل هذا ولم نتطرق بكلمة واحدة إلى الحاجة الماسة لسياسات عاجلة، تضمن الإدماج السياسى والاقتصادى والاجتماعى لإخواننا من مواطنى سيناء، ليس فقط باعتباره حقا دستوريا، ووطنيا لهم، ولكن باعتباره أيضا من أهم أسلحة الحرب ضد الإرهاب هناك، إلا أن هذا حديث آخر، أو بالأحرى حديث أزلى أبدى، وليس حديث مناسبات بعينها.


نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة والسلاح فى سيناء السياسة والسلاح فى سيناء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon