توقيت القاهرة المحلي 05:08:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السياسة.. والسلاح فى سيناء

  مصر اليوم -

السياسة والسلاح فى سيناء

بقلم - عبد العظيم حماد

هل كان أكثر المصريين حذرا أو تشاؤما يوم 3 يوليوعام 2013 يتوقع هذا المشهد المحزن والمخجل عند حلول موعد ثانى انتخابات رئاسية، بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين؟!

نقر ونعترف أن الأغلبية الساحقة، من كل التيارات السياسية والفكرية كانت متفائلة إلى أبعد الحدود، ولم يكن يوازى هذا التفاؤل سوى مثيله يوم 11 فبراير 2011، حين تنحى حسنى مبارك عن السلطة، أما الحذرون والمتشائمون فلم يأبه بهم أحد يومئذ، ومع ذلك، فمن المؤكد أنه لم يكن بينهم من خطر بباله، أو فى أسوأ كوابيسه المشهد الذى نعيشه الآن.

هذه الإجابة قد تفسر ــ لكنها يقينا لا تبرر ــ ذلك الموقف المخجل الآخر، المرفوض جملة وتفصيلا، والمتمثل فى التردد فى تأييد العملية العسكرية الموسعة الجارية الآن فى سيناء للقضاء على البؤر الإرهابية هناك، وهو موقف مرفوض مهما تكن الذرائع التى يتعلل بها هؤلاء المترددون، مثل الادعاء بأنها عملية إلهاء عما يحدث فى سياق الانتخابات الرئاسية من تجاوزات صارخة، أو القول بأنها تهدف إلى تفريغ مدن شمال سيناء، لأغراض غير تلك المعلنة، وكأنه لم تحدث عمليات إرهابية ضخمة فى المنطقة، أو كأنه لا يوجد تنظيم متطرف ومسلح يسمى نفسه ولاية سيناء، أو ثالثا وكأنه ليس من أوجب واجبات الدولة المصرية أن تحارب الإرهاب، بكل قوة حتى القضاء المبرم عليه بغض النظر عن أية ملابسات سياسية ظرفية، أو رابعا وكأن من يقاتلون الإرهابيين ليسوا إخوانا لنا أو أبناء يؤدون مهمتهم الأولى والأصلية فى حماية التراب الوطنى.

لكن، وعلى الرغم من رفضنا لتلك الذرائع وغيرها، فعلينا أن نتساءل: كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الانقسام حول الحرب ضد الإرهاب؟ وهذا مؤشر ــ لو تعلمون ــ خطير،وهكذا نعود إلى السؤال الذى بدأنا به.

الإجابة الإجمالية يمكن تلخيصها فى كلمتين هما الإقصاء والغموض.. الإقصاء الذى يؤدى إلى خسارة مؤيدين، والغموض الذى يزرع الشكوك.

فى التفاصيل، فقد اندفع النظام السياسى المنبثق عن خريطة الطريق ليوم 3 يوليو 2013 إلى عملية إقصاء متسارعة لكل الشركاء، الواحد تلو الآخر، حتى وصلنا الآن إلى وضع كل المخالفين فى الرأى أو الرؤية فى سلة واحدة مع الرافضين لهذا النظام من الأصل، فى حين كان التعهد المبذول فى خريطة الطريق، هو عدم إقصاء أى طرف سوى ممارسى العنف والإرهاب، فأصبحت الأحزاب السياسية المدنية حتى العلمانية الصريحة منها تصنف ضمن مناهضى النظام، حتى من قبل اعتراضها على اتفاقية تسليم جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، وإن تكن الوطأة قد اشتدت بعد هذه الاتفاقية بوضوح.

ويؤكد حقيقة أن الإقصاء بدأ قبل أزمة الجزيرتين تلك الطريقة التى صيغت بها قوانين الانتخابات البرلمانية، والاجراءات الإدارية المصاحبة، والتى اتجهت كلها إلى هدف واحد هو الحيلولة دون دخول تيار أو تنظيم ذى رؤية مستقلة إلى مجلس النواب، كما حدث مثلا مع قائمة صحوة مصر، كما يؤكد هذه الحقيقة تأجيل انتخابات المحليات المرة تلو الأخرى، حتى سقطت من الذاكرة الجماعية تماما.

وقد جاء كل ذلك فى سياق متكامل من شمولية متجددة، بدأت بمنع التظاهر، وتوسعت فى الحبس الاحتياطى، وهيمنت على الإعلام املاء وحجبا، وسخرته لتشويه المختلفين مع هذه السياسة أو تلك، أو هذا القرار أو ذاك، وليس فقط المختلفين على النظام نفسه، وعلى شرعيته.

ثم اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، وإذا بالجميع يفاجأون بأن مجرد التفكير فى الترشح لهذه الانتخابات ينظر اليه بوصفة جريمة تستحق التنكيل والتشويه، إلى آخر ما جرى من تفاصيل مأساوية يعلمها الجميع، ولا داعى لاعادة سردها.

وبما أن أية حسابات رشيدة لتقدير الموقف السياسى فى مصر تقطع بما لا يترك مجالا لأى شك أن سلطة ومكانة الرئيس عبدالفتاح السيسى ليست عرضة لأى تهديد جدى فى الانتخابات المقبلة، فكان لابد أن يتساءل الكثيرون لماذا كل هذا؟

بالطبع لم يجد أحد ردودا مقنعة، ومن هنا يصبح الغموض هو سيد الموقف، وتتسارع الأفكار للبحث عن إجابات تملأ الفراغ، بما أنه يستحيل عقلا ألا يكون لهذه الشمولية المتجددة مشروع محدد، قياسا على سوابق التجارب الشمولية فى مصر، وفى غيرها من دول العالم.

أقرب الإجابات، وأكثرها انتشارا هى أن الهدف هو تعديل الدستور بعد الانتخابات الرئاسية الوشيكة لزيادة سنوات الفترة الرئاسية الواحدة إلى 6 سنوات، وإلغاء الحد الأقصى للفترات الرئاسية، وبالطبع فسيكون ذلك أيسر منالا، وأهدأ ضجيجا، وأقل فى التكلفة السياسية حين تسفر هذه الانتخابات عن ابعاد من تبقوا على الساحة السياسية بعد من أبعدوا فى السنوات السابقة، أو على الأقل يستحسن من وجهة النظر هذه ألا تكون الانتخابات فرصة لإعادة إحياء السياسة، وظهور رموز جديدة.

بالقطع يدرك كل من يتابع وسائل الاعلام والصحف الأجنبية، وكذلك من يتابعون شبكة التواصل الاجتماعى أن البعض يتحدثون عن مشروع إقليمى غامض فى التفاصيل تحت العنوان العريض المعلن والمسمى بصفقة القرن، والتى يقال إنها تتضمن تبادلا لأراض بين مصر وإسرائيل فى شبه الجزيرة السيناوية وصحراء النقب، لإقامة وطن فلسطينى بديل، ولكن الموقف المصرى المعلن، ومن مؤسسة الرئاسة نفسها هو رفض الفكرة من حيث المبدأ، وكذلك الموقف الفلسطينى الرسمى الذى تأكد فى الوثيقة الصادرة مؤخرا عن اجتماعات المجلس المركزى لمنظمة التحرير.

ومما يؤكد أن فكرة الوطن الفلسطينى البديل فى سيناء المصرية لم تعد مطروحة بقوة أن المصادر الإسرائيلية التى روجت لها فى الماضى القريب، تتوقع الآن اقتصار مشروع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لصفقة القرن على زيادة النسبة التى تحصل عليها اسرائيل من الضفة الغربية إلى 10% من أراضيها مقابل ما نسبته 6% من مساحة الضفة يحصل عليها الفلسطينيون من الأراضى الإسرائيلية، مع الإقرار بسيادة اسرائيل على القدس بشطريها، علما بأن الجانب الفلسطينى كان قد سبق أن وافق على مبدأ تبادل أراض مع اسرائيل فى حدود نسبة الـ6% من الضفة الغربية، كما تتحدث هذه المصادر نفسها عن أن الضغوط المالية والسياسية العنيفة التى يمارسها البيت الأبيض على الفلسطينيين، إنما تهدف كلها إلى إجبارهم على قبول نسبة الـ10% التى تطلب اسرائيل ضمها رسميا من الضفة، وعلى السيادة على القدس.

بناء على استبعاد شمول صفقة القرن لأجزاء من سيناء للأسباب السابق ذكرها توا، تتبقى إذن الأسباب والدوافع الداخلية الصرفة لسياسات الإقصاء، وتحجيم المشاركة السياسية، والتحكم السلطوى الكامل فى مشهد انتخابات الرئاسة المقبلة، وكما قلنا من قبل، فإنه لم يكن متوقعا ــ وفقا لأى مقياس موضوعى ــ أن تؤدى هذه الانتخابات إلى تغيير حقيقى ــ ولو نسبى ــ فى معادلة الحكم والسياسة فى مصر.. حتى وإن تجاوزت التكتيكات المتبعة توقعات أكثرنا تشاؤما..

لكن هذا الصراع السياسى شىء، ومساندة قواتنا المسلحة فى معركتها ضد الإرهاب شىء ثانٍ.. والانتباه إلى خطورة الانقسام الحاد فى الداخل على نحو ما عبر عن نفسه فى تردد البعض فى تأييد المعركة الحالية ضد الإرهابيين فى سيناء شىء ثالث.. نرجو ألا يطول أمد البحث عن أسبابه وعلاجها حتى لا تضيع البوصلة الوطنية من البعض، وربما من الجميع.

كل هذا ولم نتطرق بكلمة واحدة إلى الحاجة الماسة لسياسات عاجلة، تضمن الإدماج السياسى والاقتصادى والاجتماعى لإخواننا من مواطنى سيناء، ليس فقط باعتباره حقا دستوريا، ووطنيا لهم، ولكن باعتباره أيضا من أهم أسلحة الحرب ضد الإرهاب هناك، إلا أن هذا حديث آخر، أو بالأحرى حديث أزلى أبدى، وليس حديث مناسبات بعينها.


نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة والسلاح فى سيناء السياسة والسلاح فى سيناء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon