بقلم - عبد العظيم حماد
بأسرع كثيرا مما كان متوقعا كشفت المصادر الإسرائيلية نفسها أن العملية العسكرية التى بدأت على الحدود مع لبنان فجر الثلاثاء الماضى هى الخطوة الأولى لعملية كبيرة، وقالت إن الخطوة التالية هى القضاء على ترسانة الصواريخ التى أقامها حزب الله، وكانت هذه المصادر نفسها قد قدرت حجم هذه الترسانة بما يتراوح بين 100 ألف و150 ألف صاروخ، مما يعنى أن العملية سوف تأخذ وقتا طويلا، وتتطلب مشاركة قوات برية ضخمة، أى إنها ستكون غزوا شاملا، بكل معنى الغزو وتبعاته.
مثلا نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فى طبعتها الإلكترونية المسائية يوم الأربعاء الماضى فى عنوان رئيسى نسبة إلى محللين أن «التعامل مع أنفاق حزب الله هو الخطوة الأولى قبل السعى وراء صواريخه».
إذن سيكون من قبيل السفسطة الانشغال ببحث مصداقية اتهامات إسرائيل لحزب الله بحفر أنفاق عابرة للحدود، أو ما يسميه الإسرائيليون بأنفاق هجومية من أجل الاستيلاء على قرى أو أهداف، أو احتجاز رهائن فى الشمال، سيما وأن الجانب الإسرائيلى لم يقدم إلى قوات حفظ السلام الدولية فى جنوب لبنان ما يثبت صحة هذه الاتهامات.
لندع إذن جانبا هذه السفسطة التى لم تكن سوى سيناريو معد مسبقا للتسويق الإعلامى للقرار الإسرائيلى ببدء المعركة الأخيرة مع حزب الله، ليس فقط للقضاء على هذا العدو بوصفه التهديد المسلح الوحيد لإسرائيل فيما كان يسمى فى الزمن الغابر بدول المواجهة، ولكن أيضا للقضاء على خط الدفاع الإيرانى الأول ضد أية هجمات إسرائيلية منفردة، أو مشتركة مع الولايات المتحدة على المنشآت النووية وغيرها من الأهداف داخل إيران نفسها.
إذن فهذه المعركة الإسرائيلية الأخيرة مع حزب الله هى فى حقيقتها حلقة فى سلسلة مواجهات مسلحة مع إيران، سوف تمتد إلى سوريا حيث تتمركز قواعد وقوات إيرانية، فضلا عن العمق الإيرانى كما سبق القول توا، ولما كنا قد ذكرنا هنا من قبل عدة مرات آخرها يوم 2 نوفمبر الماضى أن إسرائيل قد تراجعت فى اللحظات الأخيرة عام 2012 عن مهاجمة إيران، بسبب رفض إدارة أوباما الأمريكية، وإذعان نتنياهو لتحذير وزرائه له بأن مثل هذا القرار ينبغى أن يتخذ فى واشنطن وليس فى تل أبيب، فإنه يكون مؤكدا أن واشنطن اتخذت القرار فعلا، وبالتالى يكون اجتماع بروكسل يوم الإثنين الماضى بين رئيس الوزراء الإسرائيلى، وبين مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى قد عقد لوضع اللمسات الأخيرة، والتصديق النهائى على إستراتيجية إسرائيلية أمريكية مشتركة لتحقيق الهدف المعلن من كل من واشنطن وتل أبيب بالقضاء على ما يوصف بالخطر الإيرانى، من كل مصادره، وفى كل جبهاته، أى ببدء ما يسميه الإعلام اليمينى الأمريكى وكذلك أدبيات الصهيونية المسيحية فى الولايات المتحدة بمعركة هرمجدون الفاصلة بين الخير والشر فى نهاية الزمان، تمهيدا لعودة المسيح حيث يمثل الحلف الأمريكى الإسرائيلى قوة الخير فى هذه الملحمة.
بالطبع لسنا من هواة نظريات نهاية التاريخ، ولا من معتنقى عقائد ملاحم آخر الزمان، لا فى نسختها الداعشية التى اشتهرت باسم دابق، ولا فى نسختها الشيعية المبشرة بخروج المهدى المنتظر، ومن باب أولى.. ولا فى نسختها الأصولية المسيحية الأمريكية المسماة هرمجدون، وبالتالى فإن تفسير القرار الأمريكى الإسرائيلى ببدء المواجهة الشاملة ضد إيران وحلفائها ينبغى أن يخضع للحسابات السياسية والإسرائيلية المحضة، أى حسابات الفرص والمخاطر، وكذلك لتحليل دوافع متخذى القرار.
الدوافع قوية بوضوح قاطع عند رئيس الوزراء الإسرائيلى، وعند كل زعماء الأحزاب اليمينية المشاركة فى الحكومة، وكذلك لدى قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وهى دوافع تجمع ما بين الإيديولوجية المتطرفة وما بين اعتبارات الأمن القومى، كما أن الدوافع واضحة بقوة أيضا لدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وفريقه للأمن القومى، وهى فى معظمها دوافع إيديولوجية، إذ لا يوجد إجماع داخل نخبة السياسة الخارجية الأمريكية على أن إيران تمثل خطرا جديا وملحا على الأمن القومى الأمريكى، وإذا وجد مثل هذا الخطر، فمن الممكن تحييده أو إحباطه بوسائل عديدة، ليس من بينها العمل المسلح.
أما عن الفرص فإن وجود ترامب فى البيت الأبيض هو فرصة ذهبية بكل تأكيد لنتنياهو وشركائه فى الائتلاف الحالى، كذلك فإن انفتاح دول الخليج العربى على إسرائيل إلى حد التعاون العسكرى النشط معها، وخطط إقامة تحالف عربى (سنى) مع إسرائيل ضد إيران الشيعية بإشراف أمريكى.. كل ذلك يوفر فرصة ذهبية أخرى لبدء المواجهة مع طهران وحلفائها على امتداد الإقليم، وبالطبع فإن وجود نتنياهو فى قيادة إسرائيل، وهذا الانفتاح الخليجى عليها يمثلان لترامب فرصة كبيرة لتصفية الحساب الأمريكى مع إيران، بعد أن خرجت الأخيرة دائما رابحة من كل الحروب الأمريكية فى الشرق الأوسط وعلى تخومه، وهذا هو المضمون الإيديولوجى لموقف اليمين الأمريكى المتطرف من الحالة الإيرانية، إذ أدى الغزو الأمريكى للعراق ليس فقط إلى إزالة قوة مهمة موازنة لإيران، ولكن أيضا إلى وضع هذه القوة نفسها (أى العراق تحت هيمنة طهران )، كما أدت المغامرة الخليجية المنسقة والمدعومة أمريكيا فى سوريا إلى وجود إيرانى سياسى وعسكرى فى هذه الدولة أيضا، فضلا عن الوجود الروسى القوى بدوره والمتحالف مع الوجود الإيرانى، بل إن الغزو الأمريكى لأفغانستان، وإسقاط نظام طلبان السنى المتشدد قد أزال عدوا شرسا على الحدود الإيرانية الشرقية.
رأينا الدوافع والفرص، فماذا عن المخاطر؟ لا يوجد تقويم مستقل لقدرة إيران وحزب الله على تنفيذ وعيدهما بتكبيد الأمريكيين والإسرائيليين خسائر «يندمون بسببها على المبادءة بشن الحرب»، ولكن السوابق ترجح عدم استبعاد مفاجآت صادمة لواشنطن وتل أبيب، ليس فقط على غرار ما حدث فى صيف 2006 فى الجنوب اللبنانى، ولكن أيضا ما حدث أخيرا فى غزة فى أحدث مواجهة بين إسرائيل وحركة حماس.
أما عن المخاطر الإقليمية فى الخليج والمضائق، والجبهات الداخلية فى معظم الدول العربية فمن الصعب التكهن بها، خاصة إذا طالت المواجهة، وتكبد الإسرائيليون والأمريكيون خسائر كبيرة، لدرجة ترفع معنويات معظم شعوب المنطقة، التى يعرف الجميع أين سيتوجه تعاطفها.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع