بقلم - نادين عبدالله
انتهت الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية لهذا العام بفوز إمانويل ماكرون بعد أن حاز على 58.5٪ من الأصوات فى مقابل حصول مارين لوبان على 41.5 ٪ فقط. هذا وقد حصل ماكرون فى الانتخابات الماضية على حوالى 66٪ من الأصوات فى مقابل حوالى ٪34 للوبان. وهو ما يعنى تضاؤل شعبيته بطريقة واضحة، وارتفاع شعبية اليمين المتطرف، الذى تمثله لوبان بشكل لافت.
والحقيقة هى أن الانتخابات الفرنسية عكست صراعًا فكريًا وبرنامجيًا ليس فقط بين يمين الوسط واليمين المتطرف، بل بالأحرى بين مشروعين سياسيين، أحدهما قوامه القطاعات المجتمعية المؤيدة للعولمة لأنها مستفيدة منها (على غرار الشركات الكبرى، قطاعات البنوك، قطاعات الاتصالات، الشباب المنفتح على التكنولوجيا والمحب لأوروبا بشكلها كقرية صغير.... إلخ) والآخر قوامه القطاعات المجتمعية المناهضة للعولمة وثورة التكنولوجيا، لأنها تسببت فى تضاؤل نفوذها وأهميتها بشكل مستمر (على غرار العمال والموظفين والمزارعين وعدد من كبار السن الذين صوتوا للوبان).
والحقيقة هى أن هذه الوضعية تخفى وراءها عيبًا هيكليًا خطيرًا لا تعانى منه فرنسا فحسب، بل العالم كله تقريبًا. يومًا بعد يوم تزداد قوة العولمة والمصالح المتشابكة التى تصنعها (رغم تعطلها بسبب انتشار كورونا الوبائى)، ولكن فى الوقت نفسه تتزايد أعداد المتضررين من هذه العولمة لأنها، ببساطة، غير عادلة. فهى تنشر قيم الليبرالية والانفتاح، ولكنها أيضًا تؤسس لنظام عالمى تسيطر فيه آليات السوق.
وهو أمر لا نعتبره إشكاليًا فى ذاته، إنما تكمن المشكلة، من وجهة نظرنا، فى إصرار هذا النظام الاقتصادى العالمى على تغييب كل الوسائل والآليات التى يمكن أن تجعل المنافسة الاقتصادية محترمة لحقوق الإنسان الأساسية فى حياة كريمة تضمن له مستوى محترما من الصحة والتعليم وغيرها.
وهنا وأخيرًا، نؤكد أن حدة هذه الأزمة تزداد بسبب ضعف اليسار وغيابه عن المشهد السياسى ليس فقط فى فرنسا بل أيضِا على مستوى العالم. فالطبيعى أن تكون قضايا غياب العدالة الاجتماعية هى القضايا التى يناقشها اليسار، فيقدم رؤى قادرة على إصلاح هذه المنظومة العالمية غير العادلة بدلا من تصورات اليمين المتطرف الحالمة بهدمها.
صحيح أن ملانشون مرشح اليسار الراديكالى فى فرنسا حصل على ثالث أكبر نسبة بعد ماكرون ولوبان (٢١.٩٪ من الأصوات) إلا أنه لايزال بعيدًا عن المنافسة الحقيقية. والأهم أن خطابه لايزال راديكاليًا، وساعيًا إلى رفض جوانب عديدة من العولمة بدلا من إصلاحها. وهو أمر مشروع بالطبع، لكنه على الأرجح، غير واقعى.