بقلم - نادين عبدالله
ماذا تفعل لو أردت التريض أو المشى، وهو احتياج إنسانى طبيعى بل ولازم للحفاظ على الصحة البدنية والنفسية؟ هل أنت مجبر أن تشترك في نادٍ أو أن تسكن في كومباوند أم أنك تستطيع التنزه في شوارع المحروسة والاستمتاع برياضة المشى أو الجرى؟
للأسف بات الشارع مكانًا مخيفًا. فالمشى فيه يتطلب قدرة على مقابلة المخاطر بصدر رحب وبشجاعة نادرة. أن تنزل للتنزه في الشارع يعنى أن تبدأ رحلة شاقة للبحث عن رصيف يمكنك المشى عليه. ورغم أنه أضعف الإيمان إلا أنه غير متاح في أغلب الشوارع. وبما أنك تريد التريض ولا تملك رفاهية الاشتراك في نادٍ خاص، فعليك بذل قصارى جهدك لتلافى السيارات هنا وهناك، وأن تركز كل طاقتك في العودة إلى المنزل سليمًا.
والحقيقة هي أن الأمر ازداد سوءًا بعد التغييرات العمرانية الجديدة، التي تم إعمالها في أحياء عديدة. فقد زُرعت الكبارى واستُؤصلت الأشجار، وتوسعت الشوارع بدعوى تحقيق السيولة المرورية المطلوبة. للأسف راح ضحية هذه التغييرات من لا قدرة لهم على عمل «الشقلبظات» المناسبة للمرور عبر هذه الشوارع. فعليًا، يعانى المشاة مرتين: لا يعانون فقط لأنهم لا يستطيعون عبور هذه الشوارع الواسعة المؤهَّلة فقط لمرور السيارات، ولكن لأنه لا يمكنهم أيضًا الاستفادة من الأرصفة التي تقلصت كى لا نقول تلاشت تمامًا.
والمشكلة هي أنك لو أردت المشى على هذه الأرصفة ذات الوجود النادر، فعليك تخطى حواجز القمامة المتكتلة واستنشاق رائحتها بشكل طبيعى وكأن شيئًا لم يكن. أما لو نجحت في عبور عوائق المهملات، فلابد أن تتشجع لمواجهة خطر الكلاب الضالة، تلك التي تنتشر مع غياب الشمس بشكل مفزع لتملأ العديد من الشوارع صراخًا وملاحقة. وهنا، لا نتحدث عن كلب ضال أو اثنين أو حتى ثلاثة بل نتكلم عن مجموعات كبيرة وجودها مخيف لشخص أو اثنين يسيران بمفردهما في الشارع.
ألم يحن الوقت لتعديل السياسات العامة والعمرانية الحالية؟ أليس من أبسط حقوق المواطن أن يكون بإمكانه التحرك في شارع آدمى يحترم إنسانيته وسلامته؟ لماذا الحل الوحيد المتاح، والذى يُدفع إليه القادرون دفعًا، هو الهجرة إلى أسوار الكومباوند؟ تقليص المساحات العامة هو أول الطريق لتفكيك المجتمع ككل، ليس لأنه يُضعف فرص التواصل الإنسانى بين أفراده فحسب، بل أيضًا لأنه يقضى على الشعور بالملكية العامة، ومن ثم بالانتماء للوطن.