بقلم - نادين عبدالله
فى الحقيقة، هو بيان عظيم، بيان الأزهر عن التحرش الذى صدر منذ أيام قليلة؛ بل هو نقلة نوعية فى فحواه وشجاعته. ففى ظل تضخم المشكلة إلى حد غير مسبوق، يصدر لأول مرة بيان يؤكد بشكل واضح على أن التحرش (وتوابعه من معاكسة ومضايقة وتطفل) أمر غير مقبول بغض النظر عن سلوك أو لبس المرأة، فلا يمكن تبريره بأى حال: «ويؤكد الأزهر الشريف أن تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أى شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط؛ لما فى التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها».
فعليًا، البيان مهم جدًا ليس فقط بسبب محتواه بل أيضًا لدلالاته ونتائجه المجتمعية: فمن ناحية، هو ينزع أى شرعية ممكنة لفعل التحرش، ويدحض بقوة وجرأة كل تبريراته فيضعها فى نصابها الصحيح؛ بل يرد على مراوغة البعض ممن يبرئون أنفسهم من خطيئة التحرش ملقين ذنبهم على المرأة: «من حقى أبص عليها طالما هى مش لابسة كويس»، «حريتك تقف عند أذيتى» وعندما تسأله: وكيف أذتك هى بلبسها؟ يكون الجواب: «مش يمكن مراتى أقل منها جمالاً؟» أو «مش مضطر أشوف طريقة لبس مش عجبانى». وهى أفكار منتشرة ويمكن الرد عليها بأفكار مغايرة: ولماذا هى مضطرة أن تلبس وفقًا ما تريده أنت؟، وإذا كنت لا تؤمن بحرية المرأة فى اختيار ملبسها، فلماذا لا تغض البصر ببساطة عنها بدلا من تبرير خطئك (تحرشك) وقلة احترامك لها؟، وما هى حدود اللبس اللائق وغير اللائق من الأصل؟، وإذا كانت له حدود، فهل عدم اتباعها يبرر تحرشك؟، أليست هذه قواعد الغابة؟.
ومن ناحية أخرى، وارتباطًا بذلك؛ يبعث البيان رسالة قوية ومستنيرة لتغيير بعض المعتقدات المجتمعية التى ترسخت فأصبحت ثقافة عامة مسيئة. فالحقيقة هى أن تشديد قوانين التحرش وتفعيل الموجود منها مع أنه ضرورى جدًا إلا أنه لن يكون أبدًا كافيًا. فالقوانين كى تفعل وتطبق؛ ويصبح الخارج عنها هو الغريب، لابد أن يسبقها حالة قبول عام واتفاق بين غالبية المجتمع بشأنها. ومن ثم، فإن بيان الأزهر، بما له من مكانة فى قلوب المسلمين بل المصريين جميعًا، يعتبر خطوة أولى فى اتجاه تغيير ثقافة التحرش، التى أصبحت سائدة للأسف، بقيم وقناعات جديدة تقوم على احترام المرأة ورفض التحرش بها وبلا شروط.
فشكرًا للأزهر الشريف على هذا البيان المنصف!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع