بقلم - نادين عبدالله
فجعنا جميعًا بنبأ مقتل الراهب الجليل، الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار. وقد عرف الأنبا إبيفانيوس بعلمه الغزير، فكان يجيد عدة لغات منها اليونانية، مما مكنه من الاطلاع على أمهات الكتب اللاهوتية والعقائدية، وأعطى أبحاثه وعلمه ثقلا وتميزا. وقد عرف بتلمذته للأنبا متى المسكين، المعروف أيضًا بكتاباته العميقة والمنفتحة، والذى طالما آمن أن الوحدة المسيحية بين الكنائس قابلة للتحقق.
وسار على درب معلمه، وعرف بانفتاحه؛ فقدم دراسات عقيدية ولاهوتية للمجمع المقدس تؤكد على إمكانية التقارب، وصار ممثلاً للكنيسة فى مؤتمر حوار الأديان بإيطاليا، بل استرشد به البابا تواضروس فى أمور عدة، كما أفصح هو بنفسه يوم صلاة الجناز.
ورغم أننا لا نعرف الكثير عن ملابسات الحادث الأليم أو أسبابه (ولا نريد التكهن بها) إلا أن هذه الجريمة تلقى بظلالها على ما هو معروف لدى الكثيرين من المتابعين للشأن القبطى والكنسى: الصراع، الضمنى أحيانِا والظاهر فى أخرى، بين تيارين داخل الكنيسة القبطية أحدهما محافظ، والآخر أكثر ميلاً للتجديد والانفتاح فى وقت يبدو فيه أن انتماء البابا الحالى وتوجهه أقرب الى التيار الثانى منه إلى الأول. وهو بذلك فى موقف مؤلم وصعب لأنه يجد نفسه بين مطرقة تشدد المحافظين من الكنسيين داخليًا، وسندان تطرف الإرهابيين الإسلاميين أو الداعشيين خارجيًا.
والحقيقة هى أن الإنسان، كونه ضعيفا، يميل فى أوقات الأزمات أو المخاوف إلى التقوقع والمحافظة بشكل عام. وهو أمر مفهوم خاصة أن وتيرة الهجمات الإرهابية كانت قد تزايدت فى الآونة الأخيرة مع صعود خطر داعش وجرائمه التى نالت، مؤخرًا، من الأقباط بشكل ملحوظ ومخيف. وفى ظل التهديد الوجودى الذى شكلته هذه الأحداث الإرهابية الآثمة، والواقع المؤلم الذى خلقته، أصبح الميل الى الانفتاح بأنواعه أصعب من أى وقت. ففى مثل هذه الأوقات تصير المواقف المتشددة أو المحافظة عقيديًا أو اجتماعيًا أسهل اتخاذًا، وانتشارًا بل قبولاً.
ومع ذلك لا يسجل التاريخ سوى المواقف الشجاعة تلك التى لا تخشى التطرف، وتواجه التشدد بالحجج المضادة، فتقهر الظلمة فى عز سطوتها، وتنتصر عليها بالرغم من استسهال البعض الانصياع وراء ظلالها تلك التى توحى للمختبئ فيها بالراحة مع أنها تمنع، فى الوقت نفسه، نور الشمس من التوغل والانتشار.
للأسف، تعيش الكنيسة القبطية لحظة ضغوط صعبة ودقيقة، ومع ذلك يؤكد لنا تاريخها، بل قواعد الكون نفسه، أن النور أقوى من الظلام ولو طال عمره.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع