بقلم - نادين عبدالله
نقلت العديد من وسائل الإعلام تصريحات الرئيس الفرنسى ماكرون عن حقوق الإنسان٬ ولم يتردد بعضها فى التعامل مع الأمر بمنطق «الردح». والحقيقة أن التفاعل معها على هذا النحو يعكس فهمًا منقوصًا للتحديات التى تفرضها العولمة على الدولة القومية فى مصر كما فى غيرها. وهو موضوع يحتاج إلى نقاش عام جدى وجاد.
هل حقوق الإنسان شأن داخلى يخص كل دولة أم أنه شأن عام من حق المجتمع الدولى مناقشته؟ هو سؤال صعب٬ والإجابة عليه تحتاج إلى مزيد من التفكير المتأنى فى تناول الرؤى المختلفة له. فقد أكدت مثلاً تقارير التنمية البشرية أو الإنسانية الصادرة سنويًا عن الأمم المتحدة على عولمة حقوق الإنسان وأمنه. وهو الأمر الذى تم تأكيده من خلال مفاهيم شتى على غرار «مفهوم الأمن الإنسانى» الذى أنتجه نفس التقرير. وهو المفهوم الذى أكد على تداعيات واتصال المشكلات داخليًا وخارجيًا. فزيادة الفقر مثلا فى أى دولة يعنى نزوح مواطنيها إلى دول مجاورة٬ كما أن كبت حرية التعبير داخليًا فى دولة ما بما قد يولد انفجارًا اجتماعيًا٬ أو نزوحًا لأصحاب العقول٬ سيدفع حتمًا إلى زيادة معدلات الهجرة والانتقال الى دول أخرى٬ وهكذا. وهو ما يعنى ببساطة تماهى الداخلى والخارجى بشكل بين. وهو ما يجعل٬ وفقًا لهذا التعريف٬ الشؤون الداخلية للدول٬ بما فيها ملفات حقوق الإنسان٬ قابلة للنقاش خارجيًا فى عالم متصل إلى حد الالتصاق.
وعلى نفس المنوال٬ وفى إطار العولمة٬ وافقت مصر فى إطار برنامج الشراكة الأورومتوسطية وسياسة الجوار الأوروبية٬ منذ منتصف الألفينات٬ على حصول مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى على دعم وفقا لثلاثة بنود: أولا٬ الإصلاحات السياسية (بما فيها ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان) والحوكمة. ثانيًا٬ دعم تنافسية وإنتاجية الاقتصاد. ثالثًا٬ دعم التنمية المستدامة (بما فيها الصحة والتعليم... إلخ). وعلى كل٬ لم يخصص الاتحاد الأوروبى سوى 11% فقط من ميزانية 2011- 2013 لدعم البند الأول.
فهل تهدد التدخلات الخارجية الدولة الوطنية فى مصر وفى غيرها٬ وهل تتحدى العولمة سيادتها؟ إذا كانت الإجابة بلا٬ فلماذا التشنج إذن والضجر؟ وإذا كانت الإجابة بنعم٬ فما هى استراتيجية الدولة وخطتها للتفاعل مع منظومة العولمة ككل؟ فعليًا٬ بات العالم قرية صغيرة، ولم يعد الانغلاق على الذات ممكنًا٬ حتى وإن تمناه البعض. وهنا مربط الفرس بل والتحدى الذى لن نتعداه لا بالسباب ولا حتى بالغضب بل فقط بالنقاش العلمى الذى غاب عنا طويلاً.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع