بقلم - نادين عبدالله
هى تجربة مبهرة بكل معانى الكلمة حين حققت الدول الأربع: هون كونج٬ سنغافورة٬ كوريا الجنوبية٬ وتايوان نهضة اقتصادية مذهلة ابتداءً من الستينيات بنيت على أساس الاستثمار فى الإنسان وتعليمه وصحته من جهة٬ والتركيز على بناء الكفاءة التصنيعية بهدف المنافسة فى الأسواق العالمية والتصدير. والحقيقة هى أن هذا النموذج يعتبر رائدًا ليس فقط لنجاحه الساحق، بل أيضًا لاتباعه سياسات اقتصادية تختلف عن إملاءات المؤسسات النقدية العالمية على غرار صندوق النقد الدولى تلك التى تدفع إلى تنحية الدولة جانبًا وترك المجال للسوق٬ وكأن الأخير بمفرده قادر على تحقيق نقلات تصديرية نوعية من دون أن تتدخل الدولة كى تحمى صناعات استراتيجية بعينها٬ وتعمل على تنميتها إلى أن تصبح قادرة على المنافسة الحرة فى الأسواق العالمية. أما هذه الدول التى تمتعت لحسن حظها ببنية تحتية بيروقراطية كفء فقد نجحت فى رسم سياسات تصنيعية واضحة٬ ولم تترك الأمر هكذا للسوق الحرة (والسلام).
ففى سنغافورة مثلا٬ ركزت الدولة على تقديم الدعم المالى والفنى والبنية التحتية للشركات متعددة الجنسيات التى ستستثمر فى بلادها بشرط أن تنقل هذه الشركات المعرفة التكنولوجية إليها٬ وتبنى القدرات التصديرية للصناعات التى تتبناها الدولة. وهو ما لا يحدث مثلا فى مصر. فهى ليست غير جاذبة للاستثمار الأجنبى بشكل عام لأسباب لن يسع هذا المقال للتطرق إليها، لكن المشكلة الأكبر هى أنه حينما يأتى المستثمر الأجنبى لا نجد أن الدولة جاهزة بسلسلة من السياسات المحفزة والمشجعة لدفعه إلى الانتقال من الاستثمار فى القطاعات الريعية (العقارات والطاقة والسياحة) إلى قطاعات أخرى تبنى قدرات مصر التكنولوجية والصناعية من أجل التصدير.
ولو انتقلنا إلى كوريا الجنوبية٬ نجد أن الدولة ركزت بالتمام على تقديم الدعم٬ لكن هذه المرة للمستثمرين ورجال الأعمال المحليين أيضًا لتحفيزهم على التصنيع والتصدير بدلا من الاكتفاء بالاستثمار فى العقارات وغيرها من القطاعات غير المنتجة. ومن ثم٬ فهى صممت نموذجا قائما على دعم كبار الشركات الاستثمارية المحلية عبر وسائل عدة، منها الدعم المالى والفنى والاعلاني٬ وحرمانها منه لو فشلت فى التصنيع والمنافسة والتصدير، هذا إلى الدرجة التى وصلت لعقد اجتماعات دورية شهرية بين كبار المستثمرين المحليين من جهة٬ وكبار المسؤولين بالدولة من جهة أخري٬ للمتابعة والتقييم.
فهل نعى فى مص٬ أننا لن نتقدم خطوة واحدة من دون أن نسعى سعيًا حسيسًا لنسج سياسات كهذه ترفع قدرات مصر التصنيعية ومنافستها دوليًا؟
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع