بقلم - نادين عبدالله
عندما تسافر خارج مصر لتزور دولاً غربية أوروبية غنية أو حتى فقيرة نسبياً «مثل دول أوروبا الشرقية»، بل عددا غير قليل من الدول العربية ذات مستوى الدخل المتوسط «أو أقل من المتوسط»، تندهش من أهمية الجمال كقيمة يقدرها الجميع دولة ومجتمعاً. وتستعجب حين يعتبرونها أولوية مثل التعليم والصحة وغيرهما من الأولويات٬ فيسعون جدياً لإعمالها والحفاظ عليها، كلٌّ على حسب الموارد والقدرات المتاحة٬ وهو أمر لا تشعر بوجوده فى مصر.
للجمال أنواع ودرجات ترتفع وفقاً للموارد المادية المتاحة٬ ووفقاً للطلب العام عليه٬ والشعور بأهمية الاستمتاع به. إلا أننا نتحدث هنا وفقط عن توافر الحد الأدنى منه: تخطيط عمرانى للمبانى بشكل جميل «بما يعنى أيضاً توفير سكن لائق لمحدودى الدخل للحد من ظاهرة الإسكان غير الرسمى»، الاهتمام بتشجير المساحات العامة٬ وتواجد مساحات خضراء جميلة٬ وجعلها متاحة للجميع وفقاً لقواعد وقوانين تضمن الحفاظ عليها، وضع آليات لضمان نظافة الشوارع والأحياء «بدلاً من أكوام القمامة المنتشرة فى الشوارع وأمام البيوت فى مصر فى أغلب الأحياء السكنية تقريباً». والحقيقة هى أن مساحات الجمال هذه متاحة «حتى ولو بدرجات مختلفة» فى دول غير بعيدة عنا٬ وهى ليست بالغنية٬ بما يُشعرك بالراحة والانبساط بمجرد أن تطأ قدماك أرضها.
قد يقول قائل إن المشكلة فى مصر هى فى غياب الموارد الكافية لتوفير الحد الأدنى من مقومات الجمال للمواطنين، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالأزمة الفعلية تكمن فى أن إعمال الجمال فى المساحات العامة ليس من أولويات الدولة من الأصل، تلك التى ذهبت٬ ولو بشكل ضمنى أو غير معلن٬ إلى خصخصة الجمال: فلو أردت العيش فى بيئة نظيفة٬ ولو أحببت أن تستمتع بوجود مساحات خضراء ومناظر مريحة للعين يمكن أن تحصل على ذلك فى المساحات الخاصة «فى الكومباوندز٬ فى الفيلات٬ فى النوادى الخاصة٬ وفى القرى السياحية... إلخ»، أما المساحات العامة «التى يتحرك فيها أغلب الشعب أغنياء وفقراء»، فتُترك لمصيرها القبيح. وفيما يتعلق بك فعليك فقط أن تتجرع القبح يومياً «حتى ولو استمتع القليلون ببعض مساحات الجمال الخاصة». أما المشكلة الكبرى فتكمن فى اعتياد القبح٬ واعتباره أمراً عادياً لا مفر منه سوى بالتأقلم معه، رغم أن أبشع الأمور هى الاعتياد، خاصة أن القبح المحيط يترك آثاره المؤلمة فى النفس، حتى وإن تعودت عليه٬ كما أن الجمال يطبع روعته فى الروح فيُنقِّيها ويُرقِّيها.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع