بقلم - نادين عبدالله
بعد تظاهرات ضخمة لم تشهدها الجزائر لسنوات عديدة مضت٬ رضخ الرئيس بوتفليقة لمطالب جماهير المحتجين٬ فأعلن عدم ترشحه للولاية الخامسة٬ بل وأقر ما يشبه خارطة طريق تسمح بانتقال السلطة بعد عام من خلال انتخابات رئاسية جديدة. لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأمور٬ فجميع السيناريوهات مفتوحة٬ ولكن أمرًا واحدًا لايزال مؤكدًا: قطاع عريض من الشعب الجزائرى تخلص من رعب أو من «تروما» الحرب الأهلية المريرة٬ فلم يعد يخاف القمع٬ ولم يعد يهاب الخيارات الصعبة.
تحدثنا نظريات الحركات الاجتماعية على أن الحراك الاجتماعى في الأغلب الأعم لا تفسره فقط وجود أسباب مثيرة للغضب أو السخط، بل يحفزه أيضًا تواجد فرص سياسية ما على غرار انفتاح النظام السياسى٬ ووجود مساحات حرة ولو صغيرة، أو انخفاض درجات القمع بما يسهل عملية التنظيم والتحرك، أو وجود إعلام حر ولو نسبياً يسمح بالنقاش ويعطى الحراك زخمًا، أو وجود حلفاء أقوياء يقومون بدعمه سياسيًا أو تنظيميًا. وقد توافرت بعض هذه العناصر٬ في مصر٬ في آخر سنوات حكم مبارك، وهو ما جعل البعض يعتبر مؤخرًا أن إغلاق المجال العام بالضبة والمفتاح هو الطريق الآمن والأكيد لضمان الاستقرار. بالطبع٬ هذا تصور قاصر لأن الرئيس مبارك استمر في الحكم ما يزيد على ثلاثين عامًا، مسجلاً رقمًا تاريخيًا بالمقارنة بباقى رؤساء جمهورية مصر العربية، فقط لأنه عرف كيف يترك مساحات للناس فيتجنب خنقهم، ومن ثَمَّ يتلافى فورانهم.
فعليًا٬ لم يحفز تظاهرات الجزائر وجود أي فرص سياسية واضحة٬ بل على الأرجح٬ العكس هو الصحيح. والأهم هو أنها اندلعت في لحظة كان الجميع يظن فيها أن المجتمع الجزائرى مستكين، فهو لم يتحرك في لحظات حراك العديد من الشعوب العربية في 2011 بل ظل في سبات عميق، أو قابعًا تحت نير العشرية السوداء٬ وما تركته من فزع أثقل القلوب وأثبط الهمم. ولكنه فاجأ الجميع٬ فانتفض في لحظة لم يتوقعها أحد٬ وفى غياب أي فرص سياسية محفزة، فالحقيقة هي أن العلم يعطى مفاتيح للفهم والتحليل٬ ولكنه لا يستطيع التكهن بلحظة يتكون فيها خيال جمعى محتج أو غير قابل لنمط معين من الإدارة السياسية.
نعم٬ يمكن أن تراقب جيدًا كوب ماء يمتلئ٬ لكن لا يمكنك أبدًا أن تدرك آخر نقطة حين تنزلق لتمنعها. بالقطع٬ يمكن أن تستمتع بالهدوء٬ لكنك لن تعرف أنه الذي يسبق العاصفة إلا ربما بعد فوات الأوان.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع