بقلم : نادين عبدالله
كثيرًا ما نتحدث عن الشعب غير الواعى أو المجتمع غير المتعلم، الذى لا يعرف الصالح من الطالح أو الذى يسىء الاختيار دائمًا، شعب غير متقدم ومجتمع غير ناضج، هكذا نتهمه دائمًا. والحقيقة هى أن هذا المجتمع مظلوم ظلمًا بيِّنًا، يقع على أفراده منذ الصغر، ويستمر معهم حتى يصير جزءًا منهم.
ينشأ الفرد فى عائلة بها أب وأم يعيشان ظروفًا ضاغطة ليس بالضرورة بسبب الأوضاع المادية، بل لأن كل تفصيلة من تفاصيل الحياة فى هذا البلد متعبة أو مزعجة، ابتداءً من المشى فى الشارع أو قيادة السيارة، وانتهاءً بظروف العمل، وهى فى أغلبها لا تحترم ما يعرفه الغرب باسم «التوازن بين العمل والحياة»، بما يعنى ضرورة منح العامل فرصة كافية للاستمتاع بحياته، فلا يصير عبدًا للعمل وصاحبه.
يعيش هذا الطفل فى هذا البيت المضغوط عصبيًا، إن لم يكن ماديًا، ويتعلم ألّا يعبر عن نفسه بحرية، فيعتاد كتم مشاعره وأفكاره لأنه لا طاقة لأحد بالمنزل على تحمل انفجارات الأولى ولا قدرة لهم على مجابهة الثانية بالمنطق والحوار. يخرج هذا الطفل إلى العالم والجرح يملأ قلبه، فيصير إما مواطنًا مكبوتًا غير قادر على إقامة علاقات سوية أو إنسانًا ظالمًا يميل إلى القمع تعبيرًا وانعكاسًا لما عاشه فى طفولته.
ثم يتعرض هذا الطفل، الذى صار اليوم بالغًا، لنفس ضغوطات الحياة وظروف العمل القاسية، لتكتمل الحلقة المفرغة. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يزداد صعوبة حين يحين أوان التفكير فى الارتباط والزواج، وهنا الطامة الكبرى: لا يعطى المجتمع الحرية الكافية والمساحة المناسبة للشخص للتعرف على شريكة حياته، واختبار مشاعره تجاهها ومعرفة مدى ملاءمتها لطموحاته ورغباته واحتياجاته (والعكس صحيح). وهو ما يفسر إلى حد كبير فشل زيجات كثيرة وارتفاع معدلات الطلاق. يمر الزمن ويكبر الأولاد، ويتذكر كل من الطرفين أو إحداهما أنه غير سعيد، وأن جزءًا لا بأس به من حياته ذهب هباءً.
والمشكلة هى أن الآثار المأساوية لذلك الاكتشاف ولهذا الغضب والحزن المدفون الناتج عنه تمتد إلى المجتمع كله، فيصير مُحمَّلًا ومُعبَّأ بهذه الطاقات السلبية، التى تنتشر فيه كالنار فى الهشيم. وهنا تصير الحياة أصعب لأنك تشعر فى تعاملاتك اليومية مع أفراده بهذه المشاعر السلبية تجتاحك لتبدد طاقتك وتستنزفها بشكل مستمر، فمَن يعى ويدرك أن كسر هذه الدائرة المفرغة هو مفتاح حياة أفضل لنا جميعًا؟