بقلم : نادين عبدالله
هى غربة جيل يعيش حالة اغتراب فكرى وشعورى ومجتمعى. يشعر بذلك جيل حمل أمانى وأحلاما وكانت له طموحات عظيمة. خبرة يناير هى خبرة جيل عاش هذه الثورة، حلم فيها ومعها وبها، فظل الحلم يطارده أينما ذهب. لم يحلم الجميع نفس الحلم، ربما لأنه لم يجرؤ أو لأنه لم يهتم. أما هذا الجيل ومساندوه من الأجيال الأخرى فكانت له جرأة الحلم والإيمان بقيم عميقة مغايرة.
هذه الغربة تدفع أبناء هذا الجيل إلى الانزواء، أو التقوقع على الذات؛ وحين يزداد منسوب الضغوط الاجتماعية، يقاوم البعض، يتقوقع البعض الآخر، ويحاول من تبقى أن يذهب إلى بلاد الأرض الواسعة. ذهب لأنه تمنى أن يجد مكانًا لأفكاره أو لأنه انتظر من يدعم تفرده العلمى ويرحب بشجاعته المهنية، أو لأنه سعى إلى من يساند تصوراته الحداثية أو التنموية أو العملية. على الأرجح، يتلقى أغلبهم ما يحتاجه من دعم لكى يتفوق، وتنجح أفكاره بنجاحه؛ أما شعور الغربة فلم يتزحزح؛ نجاحه ينعش عقله وروحه، أما قلبه المغترب فيعتصر ألمًا على حلم لا يكتمل سوى فى موطن ميلاده. يختلف المكان وتتبدل الناس، أما ذات الإحساس فلا يتغير، هى غربة فى الداخل كما فى الخارج.
ذهب من ذهب، وبقى من بقى، أما المكوث فكان له طعم مر. فقد حمل البقاء معنى استمرار الحياة وسط مجتمع بلا روح، ووسط أناس اعتادوا الأمور، وإن كان أسوأ الأمور الاعتياد. وهنا تضاعف الألم لأنه حمل معه اضطرارًا للبقاء فى عالم العائشين بالجسد والأموات بالروح. قاتل هو عالم لا يبحث عن المعنى، ومجتمع وصل به العجز إلى فقدان الرؤية خارج سجن الضغوط اليومية. ولأن القيمة والبحث عنها يتلاشى فإن الإحساس بالأمل وبالإيجابية يختفى أيضًا. أن تمشى فى شوارع المحروسة أو أن تصل إلى مكان عملك يعنى أن تمتلئ روحك بالطاقات السلبية، تلك التى تتسرب إلى نفسك، فتزيدها وهنًا، وتملؤها غضبًا مكتومًا. شعور عام بغياب «النفس» لعمل أى شىء، ينتشر، وكأن فيروس اليأس والإحباط قد تفشى، فتمكن من الروح.
على كل، لن تهدأ أمواج هذه البحار الهادرة سريعًا، خاصة لو استمرت عادة التأقلم والاعتياد. وسيظل نبض هذا الجيل فى قلوب تلك التى تليه ضاربًا بقوة تحمل معها رياحا جديدة، حتى ولو بعد حين.