بقلم : نادين عبدالله
شهدت الولايات المتحدة حدثًا غير معهود، حيث انطلق المتظاهرون المؤيدون لترامب، إثر خطابه الرافض نتائج الانتخابات، لاجتياح مبنى الكونجرس رغبة فى منع الأخير إعلان فوز بايدن. وقد دفعت حوادث العنف هذه الكونجرس إلى تقديم طلب ثانٍ لعزل ترامب بعد الطلب الأول، الذى لم يُمرِّرْه مجلس الشيوخ فى العام الماضى. وهنا يثور التساؤل الآتى: هل يمكن أن ندرج خطاب ترامب تحت بند حرية التعبير أم لا؟
فعليًا، حرية التعبير، كغيرها من الحريات فى الدول الديمقراطية، هى حرية مطلقة لا يحدها سوى الإضرار المادى الصريح بحريات الآخرين. والمشكلة هنا هى أن خطاب ترامب جاء حمّالًا لمعانٍ وأوجه متناقضة جدًا، فهو من ناحية دعا أنصاره إلى التوجه بشكل وطنى وسلمى إلى الكونجرس والتظاهر لإعلان رفض نتيجة الانتخابات. ومن ناحية أخرى، وبشكل متناقض، طلب من أنصاره أن يقاتلوا من نار لمواجهة قرار الكونجرس بإعلان فوز بايدن، كما أعلن عدة مرات أن مؤيديه لن يستطيعوا تحمل هذا الوضع أكثر من ذلك، فى إشارة إلى إمكانية تحولهم إلى العنف فى أى لحظة.
الأصل فى الأمور هو أن حرية التعبير مكفولة للجميع، وأن الأفكار المزعجة أو تلك التى تحمل سخرية تواجَه بمثلها بالضبط، فالإهانة تظل مقبولة مادام صاحبها لم يتطرق إلى الفعل، ولكنه التزم فقط بالكلمة والتعبير. إلا أن الأمر أكثر تعقيدًا فى هذا المشهد العبثى، فأفعال العنف التى شهدتها أمريكا فى الأسبوع الماضى لم تكن فقط نتاجًا لخطاب ترامب الأخير، بل هى نتيجة خطابات تمييزية مستترة أحيانًا، ومباشرة فى أحيان أخرى، تبناها ترامب بشكل عمّق من انقسامات المجتمع الأمريكى وعزّز من روح الخرافة فيه بديلًا عن الشفافية والعلم. وهى وضعية دفعت أغلبية كبيرة فى المجتمع إلى عدم التصديق فى نتائج الانتخابات وفى مؤسسات الديمقراطية الأمريكية الراسخة رغم الدلائل القانونية الكثيرة التى أكدت هزيمة ترامب الفعلية. ومن ثَمَّ، لم يكن غريبًا أن يتجه هؤلاء إلى العنف والتظاهر، فى مشهد تعيس وبائس.
لذا فإن الأمر معقد، وليس سهلًا التوصل إلى رأى نهائى فيما يخصه، لكن الأكيد أن خطاب ترامب الذى رفض فيه ضمنيًا الاعتراف بنتائج الانتخابات غير مقبول لأنه يمس جوهر قواعد اللعبة الديمقراطية ويضربها فى مقتل. ومن ثَمَّ، وبغض النظر عن العنف الذى نجم عنه، من الصعب تصنيفه فى إطار حرية التعبير، بل فقط وضعه صراحة فى خانة خيانة المسؤولية.