بقلم - نادين عبدالله
فُجِعْنا جميعاً الأسبوع الماضى بهذا الخبر المفزع: إزهاق ما يقرب من خمسين روحاً بشرية لمُصلِّين عزل في جامع النور بنيوزيلندا على يد إرهابى أسترالى تمكن من قتل مَن طالت يده منهم بوحشية ودموية مطلقة. وعلى الرغم من أن القاتل كتب بعض الكلمات ذات المغزى على سلاحه على غرار «معركة فيينا 1683»، تلك التي شكّلت بداية تراجع الدولة العثمانية وتوسعها في شرق أوروبا، واسم «رادوفان كارادتش»، السياسى الصربى المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومجازر في حق مسلمى البوسنة، وهى كلها إشارات لها رمزية تاريخية، إلا أنه من غير المناسب الاستسلام لإيحاءاتها الدينية، واختزال الأمر في ذلك فحسب.
فعلياً، هذه الجريمة الشنعاء لا يمكن تحليلها إلا في إطار صعود اليمين المتطرف المعادى للمهاجرين، «أغلبهم من المسلمين، وليس جميعهم». وهو خطاب كى يبرر وجوده يرفع راية «التفوق الأبيض» تارة وراية الاقتصاد «على غرار سرقة المهاجرين لفرص العمل.. إلخ» تارة أخرى. ويخفى هذا الفكر في طياته خوفاً من «الآخر» المختلف عرقياً أو دينياً أو ثقافياً، ومن ثَم،َّ تفضيلاً مطلقاً لحالة من التجانس العقيم، الذي لا يعترف بمؤشرات الاقتصاد، ولا بسُنّة الحياة، ألا وهى التنوع.
والحقيقة هي أن هذا الفعل الإرهابى يأتى كنتيجة حتمية لـ«عملية التطبيع» الغربى مع هذا الخطاب، فبعد أن كانت مثل هذه التوجهات المتطرفة مُهمَّشة ومكروهة مجتمعياً وسياسياً، بل في أحيان عديدة يعاقب عليها القانون، أصبحت في الأعوام القليلة الماضية جزءاً طبيعياً من العملية السياسية، بل مُمثَّلة أيضاً بأحزاب رسمية في البرلمان، بما يعنى أن خطابها الملىء بالكراهية والعنف بات جزءاً لا يتجزأ من الخطاب السياسى اليومى والمعتاد.
والأهم من ذلك، ظهر لهذا التوجُّه السياسى المتطرف زعيم يجسده، وهو رئيس أقوى دولة في العالم. وهو ما أكد عليه الإرهابى الذي تأثر بترامب واعتبره ملهماً للمؤمنين بـ«التفوق الأبيض»، فلا مجال للشك هنا: منح نجاح الرئيس الأمريكى شرعية لهذا الخطاب، وفرصة مضاعفة لانتشاره. ومن ثَمَّ، أضاف إلى عملية التطبيع السياسى الداخلى لدى الدول الغربية فرصة للتطبيع السياسى عالمياً أيضاً.
وهنا، لم يكن من الغريب أن ينتقل حيز العنف اللفظى لهذا الخطاب المتطرف إلى نطاق العنف الفعلى، وهو ما جسدته بالفعل العملية الإرهابية الأخيرة. وللأسف، دائرة العنف والعنف المضاد هذه لن تتوقف إلا لو تعاملنا بجدية مع الجذور السياسية والاجتماعية لبزوغه، هذا لو لم نُرِد دفن رؤوسنا في الرمال كالنعام!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع