بقلم : نادين عبدالله
تعكس أزمة أطفال الشوارع فى مصر واقعًا اقتصاديًا واجتماعيًا أليمًا، فوجود هؤلاء الأطفال المساكين فى الشارع يفسره فى أغلب الأحيان العنف الذى تعرضوا له فى إطار عائلات أغلبها فقير ومُهمَّش، أو فى أوساط العمل، مما يدفعهم إلى الهرب للشارع، الذى يعانون فيه أيضًا الأمَرَّيْن. وهنا يتطلب التعامل مع أطفال الشوارع فهمًا اجتماعيًا عميقًا ليس فقط لأسباب ذهابهم إليه، بل أيضًا لما أصبح الأخير يمثله لهم، ففى الشارع ومن خلاله، تتكون شبكات صداقة وتضامن، أى علاقات اجتماعية جديدة وبديلة لتلك التى لم توفرها لهم عائلاتهم.
ومن ثَمَّ، يصبح من الصعب عليهم تركه إلا لو وُفر لهم فى المقابل جو من الدفء والحنان، وعلاقات تعوض احتياجهم النفسى والعاطفى.
والواقع أن الشارع على الرغم من قسوته وإهاناته اليومية لهؤلاء الأطفال، فإنه يتيح لهم قدرًا من الحرية تصعب التضحية بها، والعودة بسهولة إلى الالتزام بالقواعد الصارمة، فما لا يعرفه الكثيرون هنا أن شخصية الطفل القاطن فى الشارع تتغير بموجب تعاملاته فيه، بحيث يصبح أشد بأسًا كى لا نقول عنفًا أو شراسة، وهى قاعدة معروفة لأطفال الشوارع «اللى ما يقدرش على الشارع ما يقعدش فيه»، فمَن لا يستطيع تحمل مهمة الدفاع عن نفسه وجمع قوت يومه لا يمكن أن يستمر فى الشارع، وربما لن تستمر حتى حياته فيه. ومن ثَمَّ، ليس من الغريب أن يتناول عدد كبير من أطفال الشوارع المخدرات، خاصة «شم الكلة»، وهى وسائل تساعدهم على احتمال حياتهم اليومية القاسية فى الشارع، وتحمل آلام الجوع والبرد وقلة النوم (لغياب المأوى)، بالإضافة إلى نسيان أوجاعهم النفسية العديدة.
والحقيقة أن التعامل مع هذه المشكلة الاجتماعية وحماية آدمية هؤلاء الأطفال يتطلب رؤية وخطة لا تتمثل فى إيوائهم وتوفير فرص لتعليمهم المهنى، (وهو ما تبذل فيه وزارة التضامن جهدًا ملحوظًا) فقط، بل يتطلب أيضًا تعامل الدولة ككل مع منبع الأزمة بجرأة. وهو ما لن يحدث سوى باشتباكها مع مجموعة من القضايا المترابطة، أهمها غياب التنمية الريفية والهجرة إلى المدينة، وما يتداخل معها من مشكلات على غرار زيادة فقراء المدن وارتفاع الطلب على السكن غير الرسمى، خاصة مع غياب سياسات سكنية توفر سكنًا رسميًا بسعر معقول لمحدود الدخل، فحان الوقت أن نعى الأمر وننقذ هؤلاء الأطفال من قسوة الشارع
وبؤس المصير.