بقلم - نادين عبدالله
«أدى اليمن واللى بيتحدف علينا منها»، هذه كلمات سمعتها نقلاً عن صديق مصرى ذهب ليشترى سندوتشات سريعة من أحد المطاعم الصغيرة المنتشرة فى منطقة الدقى، تلك المنطقة التى يعتادها ويعيش فيها أيضًا أهل اليمن الكرام. فما لبث أن طار الكوبون من يد العميل اليمنى حتى انهال عليه الرجل بهذه الكلمات الجارحة.
«ترضى تقعد جنب البنت الكارتة دى»، هذه أيضًا كلمات نقلت عبر موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك عن سائقى أحد الميكروباصات الذى سأل الراكب المصرى لو يوافق أن يجلس بجوار الفتاة الافريقية العشرينية فى الكراسى الأمامية الموجودة بجوار السائق بعد أن آثر هو ترك مسافة بينه وبينها ليس تأدبًا بل احتقارًا.
موقفان نذكرهما هكذا فى عجالة، لكن من المؤكد أن القارئ لديه عشرات من الروايات المماثلة؛ والأمر بالفعل محزن. أن نصل إلى هذا الحد من الشوفينية فى التعامل مع من لا يشبهنا فهو أمر مخز، وأن نصمم على هذا السلوك الاستعلائى فى التواصل مع بشر مثلنا، هو أمر مشين.
عادة ما تحتاج الأمم فى فترات الأزمات إلى استنهاض عزيمتها عبر حشد قواها، واستنهاض روحها القومية، لكن لو زاد الأمر عن حده انقلب ضده. أن تعتز ببلدك ومصريتك جميل، لكن أن تحتقر الآخرين لمجرد اختلافهم عنك، فهو أمر قبيح. أن تفتخر بأن دولتك لم تسقط، أمر مفهوم، أما أن تستعلى على من يعانون ويلات الحرب بدل من التعاطف معهم وحسن معاملتهم، هو أمر مخجل بكل ما تحويه الكلمة من معان.
مفهوم أن يلعب الإعلام دورًا فى فترات الأزمات لاستنهاض همم الناس وحثهم على الوحدة، أما غير المقبول على الاطلاق، وهو ما يحدث بالفعل، أن يصير هذا الإعلام أداة لبث أفكار استعلاء وهمى، واعتزاز قائم على كراهية المختلف واحتقاره، وكأنه بذلك يسعى إلى ترسيخ الدولة وأقدامها مع أنه لم ينجح سوى فى بث أفكار الكراهية، وهى كالسرطان لا تختفى قبل أن تأكل الجسد وتجهز عليه كله.
والحقيقة هى أن التفاعل مع هذه التصورات الاستعلائية، وقبولها على هذا النحو يعكس إحساسا دفينا بالاهتزاز وبضعف الثقة بالنفس، نتمنى أن ينجلى. مؤسف أن يتحول المجتمع المصرى المعروف بروحه الودودة، وكرم ضيافته إلى مجتمع منغلق لا يحب الآخر؛ ومع ذلك نثق أنها سحابة صيف ستنجلى ليظهر معدن مجتمعنا الأصيل الجميل مرة ثانية.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع