بقلم : نادين عبدالله
هل نظرت مرة من سيارتك فوجدت طفلا ملقى فى الشارع فى عز ليل برده قارس، أو فى عز نهار حرارته لا تحتمل؟.. بالتأكيد حدث ذلك؛ وبالتأكيد أيضًا وجدت هؤلاء الأطفال الغلابة يتسارعون إليك فى الشارع طلبًا للمال أو لبيع المناديل أو غيرها من المستلزمات. أتوقع أن تكون مشاعرك تجاه هؤلاء الأطفال مختلطة: بها مزيج من الخوف والغضب والشفقة والحنان.
والحقيقة هى أن تواجد هؤلاء الأطفال فى الشارع يعكس مشكلة اجتماعية حقيقية فى مصر ترجع بالأساس إلى تعرضهم إلى عنف مادى أو جنسى أو معنوى، فى إطار عائلات أغلبها فقير ومهمش، أو فى أوساط العمل مما يدفعهم إلى الهرب إلى الشارع الذى يعانون فيه أيضِا الأمرين بدءًا من آلام رفض المجتمع لهم، ومن عنف جديد يوجهه ضدهم المارة أو سكان المناطق التى يقطنونها؛ وانتهاءً باستدراكهم فى شبكات الجريمة أو تجارة المخدرات.
واقعيًا، يتطلب التعامل مع طفل الشارع فهمًا اجتماعيًا عميقًا ليس فقط لأسباب ذهابه إلى هناك بل أيضِا لما أصبح الأخير يمثله له. ففى الشارع ومن خلاله، تتكون شبكات صداقة وتضامن بين قاطنيه من الأطفال، أى علاقات اجتماعية جديدة وبديلة لتلك التى لم توفرها لهم عائلاتهم. ومن ثم، يصبح من الصعب عليهم تركها إلا لو وفر لهم فى المقابل جو من الدفء والحنان، وعلاقات تعوض احتياجهم النفسى والعاطفى.
والحقيقة هى أن علاج هذه الأزمة الاجتماعية من المنبع يتطلب اشتباكا مدروسًا مع مجموعة من القضايا المترابطة، أهمها غياب التنمية الريفية وزيادة كثافة فقراء المدن وما يولده ذلك من ارتفاع الطلب على السكن العشوائى، خاصة مع غياب سياسات سكنية توفر سكنا رسميا بسعر معقول للفقير، هذا إلى الحد الذى وصل فيه إنتاج القطاع غير الرسمى للسكن إلى 65٪ من إجمالى توفيره فى 2015. ويتعلق بذلك مشكلة أخرى وهى عمالة الأطفال، تلك التى ينبغى أن يراقبها القانون بشكل أكثر إحكامًا مع إعطاء ضمانات لحماية حقوق العاملين من المراهقين ممن هم فوق الخمسة عشر عامًا. فكما سبق أن أسلفنا، المعاملة القاسية والعنف الذى يعانى منه هؤلاء يعد من أهم أسباب هربهم إلى الشارع.
وأخيرًا، يتطلب علاج هذه المشكلة التفكير الجدى فى توفير فرص للتعليم المهنى لهؤلاء الأطفال بهدف إعادة دمجهم مجتمعيا، خاصة أن حياة الشارع تضيع عليهم فرصة تنمية إمكانياتهم وقدراتهم لإيجاد عمل مناسب يجعلهم قادرين على العيش الكريم خارجه.