بقلم : نادين عبدالله
هى تظهر فى المجتمع المصرى بشكل ملحوظ حتى ولو مازال هامشيًا. فعليًا، مجموعات كبيرة من الشباب ترفض أكثر فأكثر الانصياع لقواعد التيار الرئيسى فى المجتمع. فهى ببساطة تختار نمط حياة مختلفًا، يتضمن جودة حياة أعلى، وحرية أكبر تتخطى الأطر المجتمعية الجامدة.
كثير منهم يكره النمط العمرانى السائد، فهو لا يحب أن يعيش فى مدينة أو عاصمة شديدة الازدحام تضغط على الأعصاب وتوترها، مدينة تفتقر إلى مساحات خضراء تعطى لسكانها فرصة لاستنشاق هواء نظيف أو قضاء وقت جميل بلا قيود وبدون دفع أموال كثيرة. بعضهم قرر أن يترك العاصمة ويعيش بجانب الطبيعة، وبعضهم لم يستطع لذلك سبيلًا، فحاول الذهاب إليها كلما أمكن.
والحقيقة أن كثيرًا منهم يرفض أيضًا النظام الاجتماعى الأبوى الذى يفرض تبنى سلوكيات معينة لا تقنعهم فيما يخص مثلًا طريقة اللبس أو الخروجات، أو عندما يتعلق الأمر باختيار الأصدقاء أو شريك الحياة. فهى تسير جميعها وفقًا لـ«روشتة»، خَطّتها أعراف المجتمع أحيانًا أو الوعظ الدينى فى أحيانٍ أخرى، وتناقلتها الأجيال حتى سارت راسخة، فجاءوا هم لرفضها بوضوح. كما أن كثيرًا منهم لا يحلو له النمط الاقتصادى الحالى الذى يُقيّم الإنسان بما يملك من مال وقدرة على شراء «الماركات العالمية»، وغيرها، ولا يحترمه فقط لما يتبناه من قيم وما يحمله قلبه من حب وعقله من معرفة.
توجهات شبيهة بتلك ظهرت فى الدول الغربية فى أواخر الستينيات. فمع تطور النظام الرأسمالى ومع إشباع الحاجات المادية المباشرة، تطلعت فئات مجتمعية عدة إلى تحقيق مطالب غير مادية تتعلق بتحسين جودة الحياة وبالحرية فى اختيار شكل حياتها، فظهرت فى البداية مجموعات «الهيبيز» الذين قرروا الحياة مع الطبيعة وفى وسطها، وتبنوا نسقًا قيميًا مختلفًا عن السائد اجتماعيًا بل صادمًا له، ورفضوا النظام الرأسمالى وما يفرضه من تنميط للحياة وللإنسان، كما ظهرت الحركات الاجتماعية البيئية والنسوية بشكلها الراديكالى.
لم تتحول جميع هذه الحركات فى المجتمعات الغربية لتصبح جزءًا من التيار الرئيسى فيها، ولكنها نجحت فى التأثير فيه. فهى جعلته قادرًا على تقبل وجودها، ومن ثم تغيرت قيمه وأعرافه فصار أكثر انفتاحًا على ما هو جديد ومختلف. فهل تصير هذه المجموعات المجتمعية ذات التوجهات الاجتماعية الجديدة نواة تغيير اجتماعى فى هذا البلد، ووسيلة لتطوير التيار المجتمعى الرئيسى به؟.. بالطبع يصعب التنبؤ بالمستقبل.. لكن ستجيبنا الأيام عن هذا التساؤل.