بقلم : نادين عبدالله
أثارت جريمة ذبح أحد المعلمين فى فرنسا على يد إرهابى شيشانى إثر عرضه صورًا دينية مسيئة جدلًا عنيفًا فى فرنسا وخارجها. واحتدم ذلك الجدل حول حرية الرأى والتعبير وحدودها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسخرية من الدين ورموزه
والحقيقة هى أن حرية التعبير، كغيرها من الحريات فى الدول الديمقراطية، هى حرية مطلقة لا يحدها سوى الإضرار المادى الصريح بحريات الآخرين. فعليًا، تضع كثير من الدول الديمقراطية فى حالات معينة نصوصًا قانونية تجرّم خطابات الكراهية والتمييز والتحريض على العنف.. ولكن فيما غير ذلك لا توجد حدود لحرية الرأى، حتى وإن شملت إهانة المقدسات أو السخرية منها (إلا فى حالات محددة قليلة وفقًا للخبرة التاريخية الخاصة بكل مجتمع). وهو أمر تزداد حدته فى فرنسا، تلك التى بنت تاريخ تحررها الديمقراطى والحقوقى على تراث من علمانية جذرية عرفت فصلًا عنيفًا للدين عن الدولة.
فما العمل إذن؟.. هل المطلوب هو قبول السخرية وتقبل الشعور بالإهانة بصدر رحب؟.. الإجابة هى بالطبع لا. فبغض النظر عن النصوص القانونية- وما تمنحه وما تمنعه- تلعب الرقابة المجتمعية دورًا مهمًا، وهو أمر تكفله حرية التعبير الممنوحة بالتساوى للجميع. ويعنى ذلك أن مثل هذه الكتابات أو الرسومات المسيئة، من الممكن لبعض المواطنين معارضتها بقوة، لكن ليس بالعنف ولا بالقتل بل بالرد عليها عبر استغلال نفس القنوات المتاحة للأطراف الأخرى فى المجتمعات الديمقراطية.
فبدلًا من التفكير المستميت فى منع مثل هذه الرسومات أو غيرها من التعبيرات المهينة للمقدسات الدينية- وهى استراتيجية دفاعية بالأساس تخفى وراءها إحساسًا بالعجز، كما تعكس فقرًا مؤكدًا للخيال الديمقراطى- يمكن مواجهة الإساءة والسخرية بسيل جارف من المقالات الصحفية، أو الأحاديث المنظمة فى البرامج التليفزيونية، أو الرسومات الفنية والكاريكاتورية القوية. فهى كلها وسائل يكفلها النظام السياسى، وللجميع حق الاستفادة منها للتعبير عن توجهاته ومواقفه، ومواجهة تلك التى يختلف معها أو يرفضها.
فالحقيقة هى أن الإهانة التى يمكن أن يلقاها من يصر على الإساءة إلى مقدسات الآخرين عبر المقالات والبرامج والرسومات هى التى سوف تجعله يفكر ألف مرة فى المستقبل قبل أن يشرع فى السخرية والاستهزاء، لأنه يعرف أنه سيواجه بسيل مماثل من الإهانة والسخرية. وبذلك يصبح اللجوء إلى مثل هذه الوسائل المتاحة فى المجتمعات الديمقراطية رادعًا قويًا وفعالًا لكل مسىء، وفى نفس الوقت حلًا حضاريًا وسلميًا لكل متضرر.