بقلم : نادين عبدالله
بدأت العملية الانتخابية، وبدا تأثير تقسيم الدوائر واضحًا فيها، فالدوائر الانتخابية مهولة الحجم لا تعطى مساحة للنجاح سوى لذوى المال الكثير أو أحيانًا لذوى الشهرة الواسعة. فعليًا، تحتاج الدائرة كبيرة الحجم إلى صرف أموال طائلة للدعاية الانتخابية... إلخ، وهو ما يفتح الباب أمام المال السياسى والرشاوى الانتخابية، تلك التى تصير مقياسًا للتفوق الانتخابى وسببًا للنجاح. قد ينجح فى المنافسة أيضًا فى مثل هذه الدوائر ذوو الصيت المعروف، الذين لا يحتاجون من الأصل دعاية انتخابية كبيرة، وإن كانت قدرة أصحاب الأموال على توفير الرشاوى الانتخابية تُضعف من فرص هؤلاء أيضًا. والحقيقة هى أنه لا المال ولا الشهرة مقياس للكفاءة أو لقدرة المرشح على تمثيل أهل دائرته أو خدمتهم.
وهنا نشير إلى عزوف قطاعات واسعة من المجتمع عن المشاركة، وعلى رأسها الطبقة الوسطى، التى كانت حاضرة وفاعلة فى السنوات القليلة الماضية، وبالأخص القطاعات الشبابية منها. بالفعل، دفع تراجع الجدل السياسى والنقاش العام إلى ابتعاد الكثيرين عن مشهد انتخابى لم يعد لديهم شعور بالقدرة على التأثير فى مجرياته، فباتت «الكنبة» وحزبها ملاذًا للكثيرين. وهى للأسف وضعية أفسحت الطريق لمَن يتخذ من الانتخابات «سبوبة» كى يتواجد ناخبًا أو منتخَبًا، ففى كثير من الدوائر الانتخابية، حلت المصالح الشخصية الضيقة محل الفعل الانتخابى لأن المعنى العميق للأخير قد غاب، وبات البحث عن الحصانة النيابية هدفًا لمَن يسعى إلى حماية نفوذه وليس إلى خدمة أهله وناسه.
وأخيرًا، تُعتبر الدوائر الانتخابية كبيرة الحجم إشكالية لسبب آخر، ألا وهو عدم إعطائها فرصة للنائب للتواصل مع أهل دائرته بشكل قوى وعميق، فالدوائر الانتخابية صغيرة الحجم تسهل عملية تواصل أهل الدائرة مع مَن يمثلهم فيما يتعلق بالأزمات اليومية (انقطاع المياه، رصف الطرق، بناء مدارس، أو غيرها من الخدمات اللازمة)، والعكس هو الصحيح: الدوائر كبيرة الحجم تجعل عملية التواصل شديدة الصعوبة، وتجعل قدرة النائب على العمل على تلبية احتياجات أهل الدائرة التشريعية والخدمية ضعيفة جدًا. والحقيقة هى أن هذا الوضع لا يخدم الدولة أو النظام السياسى لأنه يُضعف البرلمان باعتباره وسيلة للتعبير عن طلبات المواطنين قبل أن تنفجر. ومن ثَمَّ، فهو يُضعف من دوره الوسيط باعتباره همزة وصل بين الدولة والمجتمع، وبين النظام السياسى والمواطن. هذا بالطبع أمر خطير، فهل نعى قبل فوات الأوان؟